غزة تستقبل رمضان بالزينة تحت القصف والحصار والجوع
«على هذه الأرض ما يستحق الحياة».. كلمات الشاعر الفلسطينى محمود درويش تجسد المشهد داخل قطاع غزة، فرغم استشهاد الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ ما زال أهلها يبحثون عن طريق للفرحة، فها هى بشائر شهر رمضان الكريم تنتشر نفحاتها داخل قطاع غزة المنكوب بالحرب، واليوم تقول غزة للعالم إن الحياة بعد أكثر ما يزيد على 6 أشهر من الحرب الطاحنة عليها تستحق المحاولة. استقبال شهر رمضان له طابع خاص عند الشعب الفلسطينى، لكن هذا العام يستقبله الفلسطينيون الذين يعيشون داخل القطاع محملين بالفقد والآلام، حيث يواجهون واحدة من أسوأ الحروب وأكثرها وحشية، حيث لا تزال الحرب والقصف على غزة مستمرين دون توقف، وقد وصل الوضع فى غزة إلى أزمة إنسانية، تسبب فيها الاحتلال الإسرائيلى بسبب هدم المنازل والأسواق، وتهجير وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين فى غزة. وترصد «المصرى اليوم» عبر السطور القادمة كيف استقبل النازحون شهر رمضان المبارك هذا العام،، وأبرز مظاهر الاحتفالات التى يحاولون من خلالها البحث عن الفرحة بقدوم رمضان لتخفيف آلامهم وقساوة ما عاشوه.
خيام النازحين تتزين بأدوات
بسيطة لاستقبال رمضان
مشاهد صغيرة لكنها تحمل كل معانى الانتصار، ورسائل كبيرة من أصحاب الأرض بأنهم باقون هنا لم يهربوا ولم يستسلموا ولم يبحثوا عن أوطان بديلة، بجانب مشاهد الدمار وجرائم الحرب اليومية، خرج العديد من أطفال غزة إلى المحال الصغيرة بدير البلح حيث بضائع رمضان المعروضة من فوانيس وزينة ملونة، يتناولون منها ما يفضلونه لتزيين خيامهم لترى أعينهم شيئًا من الفرح ما يجعلهم ينسون قساوة المشاهد التى عاشوها طيلة الأشهر الستة الماضية، ليبعثوا إشارات بسيطة أن روحانيات هذا الشهر الكريم على هذه البقعة المكرمة من العالم سوف تكون أكثر من أى عام مضى، حيث تتجلى فيه معانى القوة والصبر والصيام عن الجوع الذى يعيشونه رغمًا عنهم منذ بدء الحصار الاسرائيلى.
نيفين أحد النازحين من «جباليا» إلى رفح جنوب قطاع غزة تقف أمام خيمة ضيقة صُنعت من القماش تكسوها أكياس النايلون، داخل إحدى مدارس إيواء النازحين، تداعب طفلتها التى حملت فانوس رمضان ملونًا اشتراه زوجها من بسطة قريبة يكاد يقترب منها بضعة مشترين، «رمضان حزين هذا العام، لكننا نحاول أن نصنع الفرح لأطفالنا»، لا تملك نيفين أى شىء لإعداد أول إفطار فى شهر ينتظره المسلمون عادة بالعبادة والزينة وموائد الأطعمة الشهية فى أجواء من البهجة. فى الوقت الذى يستعد فيه المسلمون لاستقبال رمضان بفرش المساجد ورفع أصوات القرآن، يمر رمضان هذا العام على أهل غزة ثقيلًا يحاصرهم الجوع والدمار الذى طال أغلب مساجد القطاع، حيث استهدف الاحتلال المساجد والمآذن بشكل كامل وتحولت إلى ركام خاصة المساجد التاريخية والكبيرة أثناء هذه الحرب التى لا تتوقف ويلاتها، بينما يستمر شبح الجوع فى حصد أرواح الكثيرين ممن نجوا من الرصاص، حيث لا توجد أى مقومات لاستقبال رمضان سوى بالإيمان والصلاة إلى الله ليزيل هذه الغمة.
على نحو آخر اعتاد أهل غزة تنظيم الموائد والتجمعات العائلية كل رمضان ولكن الأمر بات مستحيلًا حسبما وصف «باسل مقوسى» فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: لا شىء يضاهى الدمار والحرمان الذى نعيشه فى غزة حيث الأحياء مدمرة والأطفال يتضورون جوعًا والمقابر الجماعية محفورة فى الرمال، ونحن كنا ننتظر رمضان حتى تزيل عنا نفحاته وبركاته ما نعانيه منذ أشهر، أما الصيام والطعام فلا يختلفان كثيرًا عن الأيام التى تحاصرنا الآن فجميعنا نعيش صيامًا منذ ستة أشهر، لا نملك قوت يومنا ولا لقمة خبز واحدة « ورغم ذلك نتمسك بالأمل وبأرضنا».
حال باسل لا يختلف كثيرًا عن حال فطيمة سالم «فقدت بيتى وزوجى وأولادى فى القصف، الحزن والألم يسكنان قلوبنا فى غزة جميعًا، فكيف يأتى رمضان ونحن بلا بيوتنا ونعيش هنا وسط الخيام التى تأوى ملايين النازحين وحالهم جميعًا لا يختلف كثيرًا؟! فى ظل كل هذه المعاناة وعدم توافر الطعام فهنا الكثيرون لن يستطيعوا تناول الإفطار أو السحور. وتابعت: «الحرب منعتنا من أداء الكثير من عاداتنا التى تربينا عليها، كالزيارات والعزومات العائلية، واختفاء الطعام والشراب، وإعداد الأطباق التى تشتهر بها الموائد الفلسطينية، ورغم كل هذا نعانى أيضًا من ارتفاع أسعار المعلبات واستغلال التجار للوضع الحالى».
أما كرم السيد الذى يتحدث عن أمنية جميع أهالى غزة بوقف إطلاق النار والعودة إلى ديارهم، فقال: «لا توجد أى مظاهر احتفال أو بهجة بقرب رمضان مثل الأعوام السابقة، فالوجوه شاحبة والحزن يخيم عليها، والشهر الكريم يأتى فى ظل نقص السلع والمواد الأساسية، الجميع هنا لا يحس بأجواء رمضان». اشتكى السيد من ارتفاع السلع الغذائية الشحيحة داخل القطاع، ووصف الحصار الذى يعيشه أهالى غزة بـ«غير المسبوق»، وقال لـ«المصرى اليوم»: «نحاول بقدر المستطاع أن نخلق الفرحة من العدم، ونتظاهر بالفرحة أمام الأطفال والنساء حتى نخفف عنهم الأيام الصعبة التى نمر بها، عندما أذهب إلى السوق، أنظر فقط إلى الأشياء دون شراء أى منها، لم نستطع شراء أى مستلزمات لشهر رمضان هذا العام ونترك أمرنا إلى الله».
تحذيرات منظمة الأونروا
يذكر أن عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامى لوكالة الأونروا، توقع منذ عدة أيام أن تزداد المأساة المستمرة فى غزة خلال شهر رمضان المبارك، مجددًا طالب الأمم المتحدة بوقف إطلاق نار بشكل فورى لأسباب إنسانية والسماح لوكالات الإغاثة بالوصول إلى شمال القطاع، الذى يشهد انهيارات إنسانية غير مسبوقة، مؤكدًا أن عمليات إسقاط المساعدات من الجو لا يمكن أن تكون بديلًا عن إدخال الشاحنات إلى غزة عبر البر، مع ضرورة تنسيق المساعدات مع الوكالة، مما يمكن الأونروا من مواجهة «الكارثة الإنسانية الكبرى التى تحيق بكل سكان قطاع غزة».
ولفت إلى الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 2.3 مليون فلسطينى فى قطاع غزة حيث يعتمدون بشكل كبير ورئيسى على المساعدات التى تقدمها الأونروا، وفى رمضان يزداد الأمر سوءًا لأن شهر رمضان له طقوس معينة والناس ليس لديهم ولا يملكون شيئًا لكى يطبقوا هذه الطقوس، مشيرًا إلى أنه ستستمر المجاعة وستزداد الأوضاع سوءًا إذا لم يتم إدخال مئات الشاحنات، مشددًا على ضرورة فتح ممرات إنسانية، والسماح للأونروا ولبقية المنظمات الإنسانية الأخرى بالدخول إلى منطقة شمال قطاع غزة لأن هناك انهيارات إنسانية غير مسبوقة.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.