فى دورة معرض الكتاب الـ٥٥.. حضرت القضايا الاقتصادية وغابت الكتب والندوات


بلغ عدد صفحات البرنامج الثقافى للدورة ٥٥ لمعرض القاهرة الدولى للكتاب ١٤٤ صفحة، واشتمل البرنامج على أكثر من ٣٠٠ فعالية، ليس فيها جميعًا أى ذكر للاقتصاد أو التحديات الاقتصادية التى تواجه الدولة والمجتمع، وبينما بلغ عدد دور النشر المشاركة ١٢٠٠ من ٧٠ بلدًا، وزاد عدد جمهور الزوار فى هذا العام بشكل لافت، لم يكن هناك من كتاب عن مشكلات مصر الاقتصادية، بينما الجميع مشدودون إلى مفاوضات الحكومة وصندوق النقد الدولى التى تقف على أعتاب نقطة ساخنة، وإلى الضغوط الدولية والإقليمية الواقعة على ماليتنا وتجارتنا وأسواقنا وعملتنا.

لم يكن الأمر كذلك من قبل، ففى كل عام كان هناك كتاب أو أكثر لكبار الاقتصاديين المصريين، يثير الجدل ويحرك الأفكار، ومن ذلك ومن أعوام سابقة كتب لكل من الدكتور مختار خطاب، والدكتور أحمد جلال والدكتور عثمان محمد عثمان والدكتور جودة عبدالخالق والدكتور حازم الببلاوى، والدكتور إبراهيم العيسوى والدكتور جلال أمين، وهكذا، فما تفسير ذلك؟.

علل أستاذ الاقتصاد شريف قاسم الظاهرة بسخونة المشاكل الاقتصادية وشدة معاناة الجمهور من ارتفاع الأسعار ما جعل المنظمين يخشون أى مناقشات عامة حولها تحسبًا لأى ظرف، بينما الأجدى من ذلك هو الحوار المسؤول، وفى حين لفت أحد المصادر إلى أن الحكومة قد تكون فضلت ترك الحوار حول الاقتصاد لجولة الحوار الوطنى المقبلة، فإن الدكتور أحمد جلال، وزير المالية الأسبق، مقرر محور الاقتصاد بالحوار الوطنى يقول إنه لا معلومات لديه عن أمر كهذا. وذكر الروائى المعروف والمحرر الاقتصادى مصطفى عبيد أن المشهد غير جيد وإدارة المعرض تركز على الأدب والرواية والثقافة عمومًا بالمعنى الضيق، وزادت من الندوات التى تخص النرويج لمجرد كونها ضيف الشرف، مع أن علاقتنا بالنرويج ليست محل اهتمام الجمهور الواسع بهذا القدر، وأضاف: الأسماء المعروفة اقتصاديًّا لم تكتب كتبًا فقط بل لا تظهر لتتحدث وإذا ظهرت تتكلم بتحفظ شديد. وأكدت المحررة الاقتصادية والباحثة ميرفانا ماهر، صاحبة واحد من الكتب القليلة جدًّا الذى يتناول جانبًا اقتصاديًّا وهو عن ظاهرة تعارض المصالح، أنه فى حالة غياب الاهتمام بالكتابة الاقتصادية سواء بالنسبة للناشرين أو بالنسبة للكتاب فالسبب النظر إلى الاقتصاد كملف متخصص وليس تجاريًّا ومعظم الكتابات الموجودة تعرض بشكل متخصص وأكاديمى وبدون محاولة لتوصيلها للجمهور العادى.

لكن سيد محمود الناقد الأدبى والقارئ المتابع يشير إلى أن الأداء العام للمعرض وللكثير من القائمين عليه ضعيف وأن هناك من يتدخل لفرض مزيد من الطابع الاستهلاكى عليه ويقصى أى قضايا جادة، وزاد الدكتور حسنى كحلة، خبير الاقتصاد السياسى، بأن قال إن النخبة السياسية والاقتصادية والثقافية تآكلت سواء كانت منظمة أو ناشرة أو كاتبة أو قارئة للفكر والآراء العميقة.

ونوه طارق توفيق، نائب رئيس اتحاد الصناعات، إلى أن الكتب الاقتصادية التى تخاطب الجمهور قليلة جدًّا، بل إن المشكلات الاقتصادية الحقيقية التى تمس كل شخص فى مصر حاليًّا لا تلقى النقد أو التحليل أو العناية اللازمة من البرلمان أو الصحف اللهم إلا فيما ندر، ولذا لا يجب أن نلوم المعرض وحده، وعلل د. سعيد عبد الخالق، رئيس اللجنة العلمية بجمعية الاقتصاد والتشريع السياسى، نقص الكتب الاقتصادية العامة بالقول إن أساتذة الجامعة الذين يؤلفون اكتفوا بالكتب الجامعية فهى مضمونة، أما الناشرون فيعانون بسبب أسعار وعدم توافر الورق والأحبار، وتوجهوا إلى الروايات والكتب الدينية فهى رائجة، ومن زاوية القراء، فالطبقة المتوسطة تشكل أغلبهم وهى واقعة تحت ضغوط التضخم والمعيشة، وانكمش بالتالى طلبها للكتب وخاصة الفكرية سواء اقتصادية أو غيرها، والذى يريد منهم الاطلاع يعوض ذلك بالقراءة على المواقع أو فى المكتبات العامة.

ينهى سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين، رئيس مجلس إدارة دار المعارف، أعرق دار نشر عربية، السجال بالقول إنه لأمر معيب فعلًا أن نكون فى واقع اقتصادى صعب، ولا نقوم بتوعية الجمهور بأبعاد الأزمة وسبل الخروج منها وتكلفتها، والتنبيه إلى خطر الأفكار العشوائية والمغلوطة بتقديم المعلومة السليمة والرأى النزيه، خاصة أن لدينا اقتصاديين داخل الجهاز الحكومى وخارجه على أعلى مستوى ومشهود لهم عربيًّا ودوليًّا، ويضيف أن الكتب الاقتصادية نوعان أكاديمى وتخصصى، وأخرى للجمهور العام يكتبها الاقتصاديون أصحاب الفكر والخبرة، بلغة بسيطة، يحللون فيها المشاكل وأبعادها ويحددون سبل علاجها، وإذا لم تظهر الأفكار الآن فمتى يا ترى؟ وأضاف أنه يثق بأن القائمين على أمر المعرض سيتداركون ذلك.

الطريف أن الناشرين العرب يطلبون حقوقهم بالدولار، ما جعل مشهد الأزمة حاضرًا فى كل المناقشات داخل أروقة المعرض.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading