فى ذكرى رحيل أم السينما المصرية.. عزيزة أمير فى أكثر من كتاب


يقترب ميلاد السينما المصرية من مئويته، وفى الذكرى الـ 72 لرحيل واحدة من رائدات السينما فى مصر حيث كان لعرض أول فيلم مصرى طويل وهو فيلم «ليلى» الذى أنتجته وقامت ببطولته عزيزة أمير فى 16 نوفمبر 1927، لقى الفيلم نجاحاً بلغ حداً اعتبر معه تاريخ هذا العرض تاريخ بداية السينما المصرية الحقيقية.. واشترك فيه عدد من نجوم المسرح المصرى، وأقبل الجمهور عليه، واندفع فنانون مصريون كثيرون نحو هذا الميدان، وسارت عجلة السينما بعد هذا فى بلادنا.. ولهذا أطلق على عزيزة لقب مؤسسة فن السينما فى مصر، كما منحها النقاد لقب أم السينما المصرية، ولهذا جاءت كلمات أبوالاقتصاد المصرى طلعت حرب لها فى حفل افتتاح عرض الفيلم: «لقد حققت يا سيدتى ما لم يستطيع الرجال أن يفعلوه».. نستعرض خلال السطور التالية حياة عزيزة أمير التى غادرت دنيانا فى 28 فبراير 1952 وميلاد السينما المصرية وميلاد فيلم «ليلى»على يديها.

غلاف الكتاب

لم تفقد عزيزة أمير أموالها فقط فى سبيل ميلاد فيلم للسينما المصرية، بل كادت أن تفقد حياتها فى أحد مشاهد النهاية.. كما عبرت كلماتها فى المؤتمر الأول للسينما المصرية عام 1936: «يكفينى فخراً يا حضرات السادة أن صناعة السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا الفدية والقربان»، بعدها انهمرت الدموع من عينيها، لم تستطع أن تكمل كلمتها، حيث انخرطت فى نوبة بكاء شديدة، وتحدثنا عن تجربة الأمومة، إذ إن المقربين منها يعلمون أنها حملت مرة وحيدة ومولودها مات بعد دقائق من ولادته، مما أصابها بحزن شديد وكانت تقول إن عزاءها بأنها أنجبت ابنة وهى السينما المصرية. فلقد استطاعت الممثلة المصرية عزيزة أمير أن تصبح أول سينمائية فى مصر والعالم العربى، وإحدى نجمات المسرح والسينما كنجمة وممثلة ومخرجة أيضا نافست العمالقة وقتها.

غلاف الكتاب

نقتطف سيرتها من كتاب «صفحات من مذكرات عزيزة أمير أم السينما المصرية» للكاتب محمد عبد الفتاح صادق.. تمثل مذكرات أم السينما المصرية عزيزة أمير وثيقة هامة من وثائق تاريخ السينما المصرية، وقد أملتها على المحرر الفنى لمجلة المصور فى عام 1945، وبدأت مذكراتها بالتأكيد على شغفها بالسينما، وكما جاء فيها: اسمها «مفيدة محمد غنيمى» ولدت فى محافظة دمياط فى 17 ديسمبر 1901، عاشت طفولتها فى الإسكندرية، ثم انتقلت إلى شارع خيرت بالقاهرة. والتحقت بمدرسة حسن المسرات فى شارع محمد على، ثم انتقلت بعد فترة إلى المدرسة الإنجليزية فى باب الخلق. تأثرت بهذه الأجواء من حولها، مما بعث فى نفسها حبها للفن. وقد مالت الطفلة مفيدة إلى فن السينما وهى فى التاسعة من عمرها. وظلت الرغبة عالقة فى ذهنها إلى أن منحت لها فرصة السفر إلى اوروبا وهناك فى باريس تقدمت إلى شركة جومون السينمائية بواسطة قلينى فهمى باشا، وقد أدت اختباراً فى تلك الشركة كانت نتيجته نجاحاً مبشراً زاهراً، كانوا على أهبة إسناد دور لها فى أحد أفلام الشركة لولا أن حدث فى مصر ما أدى إلى استدعائها تليغرافياً، فعادت لتلتحق بمدارسها لكنها لم تكمل تعليمها. لكنها كانت قد أجادت القراءة والكتابة واللغة الفرنسية ودرست مبادئ العزف على البيانو.

غلاف الكتاب

شهدت محاولة التأريخ لحياتها صعوبات كبيرة خاصة أن النصف الأول من عمرها القصير ملىء بالثغرات والحكايات المتناقضة أحياناً. وهو الغموض نفسه الذى يلف قصص زواجها، فإذا كان من المعلوم زواجها لمرتين إلا أن الشائعات التى لم تنفها عزيزة أمير جعلت من الزوجين ثلاثا وفى بعض الروايات أربعا، الأول هو قريبها الذى لم تذكر أغلب الروايات اسمه، وإن كان البعض يؤكد أنه هو نفسه قلينى فهمى باشا وكان له ناشط أدبى، وكان كاتب مقالات ونائبا برلمانيا شهيرا فى ذلك الوقت. أما الزوج الثانى فهو عمدة سمالوط وأحد أعيان الصعيد أحمد باشا الشريعى وهو الرجل الذى ساهم فى تأسيس شركتها السينمائية. والثالث شقيقه الأصغر مصطفى الشريعى والزوج الرابع هو الذى قضت معه أغلب حياتها وهو المخرج والممثل محمود ذو الفقار.

جاء عام 1925 ليشهد بدايتها الفنية كممثلة مسرحية من خلال فرقة يوسف وهبى، فاختار لها اسم «عزيزة أمير»، وقد ألف يوسف خصيصاً لعزيزة رواية «الجاه المزيف»، فكانت أول ممثلة اعتلت خشبة المسرح، بطلة عند أول عهدها بالتمثيل، وأتيحت لها فرصة الانطلاق لعالم النجومية وأصبحت عزيزة الممثلة الأعلى أجرا فى مصر بمقابل غير مسبوق وصل إلى 30 جنيهاً مصرياً كل شهر. وفى عام 1926 التحقت بفرقة عكاشة وأسندت إليها بطولة عدة مسرحيات، ثم انتقلت إلى فرقة الريحانى، ومنها إلى فرقة رمسيس.

ثم اتجهت عزيزة أمير بعد خلافها مع فرقة رمسيس إلى تحقيق حلمها الذى عاش طويلا، كما يسرد تلك الفترة سعد الدين توفيق فى كتابه «قصة السينما فى مصر»، وهو ظهورها فى السينما، وأبلغها الكاتب والصحفى حبيب جاماتى بأن الشخص الذى يستطيع أن يحقق الحلم هو وداد عرفى. وأعد جاماتى لقاء للاثنين واستطاع وداد عرفى أن يقنع عزيزة أمير بإنتاج فيلم تقوم ببطولته ويتولى هو إخراجه وتمثيل دور البطل. وأقامت عزيزة فى منزلها بشارع البرجاس بجاردن سيتى أول استوديو للسينما فى القاهرة وحولت الدور الأرضى من الفيلا إلى معمل للتحميض والطبع، وقامت هى وزوجها أحمد الشريعى بشراء معدات التصوير من ألمانيا وأنشأت شركة «إيزيس فيلم» وهى أول شركة سينمائية عربية. وبدأت الخلافات تدب بين عزيزة ووداد. عندئذ كلفت عزيزة الصحفى أحمد جلال بإعادة كتابة القصة، فكتب القصة الجديدة وأطلق عليها «ليلى»، وقام ببراعة استيفان روستى بإخراج الفيلم، وقامت عزيزة أمير بدور ليلى وأحمد الشريعى بدور الطبيب واستيفان روستى بدور رؤوف وأحمد جلال بدور سالم والمطربة بمبة كشر بدور سلمى، وفى هذا الفيلم ظهرت آسيا داغر بدور ثانوى. وبلغ ما أنفقته عزيزة على إنتاجه ألف جنيه تقريباً.. وأقيمت حفلة كبيرة لعرض الفيلم دعى إليها كثيرون ومنهم طلعت حرب باشا وأمير الشعراء أحمد شوقى. وحقق الفيلم نجاحا كبيراً ورحبت به الصحافة ترحيباً شديداً ونقلت كلمات طلعت حرب لعزيزة أمير: «لقد حققت يا سيدتى ما لم يستطع الرجال أن يفعلوه»، وكلمات أحمد شوقى: «أرجو أن أرى هذا الهلال ينمو حتى يصبح بدراً كاملا». ولهذا أطلق على عزيزة لقب مؤسسة فن السينما فى مصر. وللأسف فيلم «ليلى» لا توجد منه أى نسخ الآن، حيث يقع ضمن قائمة الأفلام السينمائية المصرية المفقودة.. لم يقتصر دور عزيزة أمير فى السينما على ذلك فقط، بل أنشأت عام 1928 استوديو هليوبوليس الذى قامت فيه بتصوير فيلم بنت النيل. كما قامت بتوسيع مكانتها الإقليمية من خلال المشاركة فى أفلام أجنبية مثل دورها فى الفيلم الفرنسى الفتاة التونسية عام 1931 والفيلمين التركيين «الكاتب المصرى» و«شوارع إسطنبول» فى عام 1932.

ويؤكد جورج سادول فى كتابه «تاريخ السينما فى العالم» على تلك البداية للسينما المصرية مؤكدا فيه: «عام 1927 بدأت السينما المصرية بداية حقيقية. ففى عام 1926 أراد الكاتب الدرامى التركى القادم من أوروبا وداد عرفى، بدعم من مؤسسة ماركوس الألمانية، أن يحقق أفلاماً فى مصر. فاتصل بالممثلات عزيزة أمير وآسيا داغر ومارى كوينى وبصورة خاصة مع الممثل يوسف وهبى، الذى أسس عام 1923 فرقة رمسيس المسرحية والذى اقتنع بتمثيل دور النبى «محمد» فى إنتاج يرسم معالم حياته، لكن الأوساط الإسلامية التى قدرت أن إظهار «النبى» فى فيلم سينمائى يخالف القرآن أوقفت وداد عرفى لكنه برىء. غير انه اضطر إلى التخلى عن مشروعه وبدأ فى تصوير وقائع «نداء الله». لكن عدم كفاية وداد عرفى جعلت المنتجة تستغنى عنه فى منتصف العمل لتنجز الفيلم مع المصور الإيطالى توليو تشيارينى. ولقى عرض هذا الفيلم الطويل فى 16 نوفمبر سنة 1927 نجاحاً بلغ حداً اعتبر معه تاريخ هذا العرض تاريخ بداية السينما المصرية الحقيقية رغم أن الأخوين إبراهيم وبدر لاما مؤسسى النادى السينمائى مينا فيلم عام 1926 كانا قبل ثلاثة أو أربعة شهور قد عرضا فيلما طويلاً أقل نجاحاً بعنوان «قبلة فى الصحراء». وأنتجت عزيزة أمير فيما بعد «بنت النيل» 1929 بإدارة أحمد جلال الذى استهل عمله بإخراج «غادة الصحراء» 1928 الذى شرع به ثم تخلى عنه المغامر وداد عرفى لحساب آسيا داغر.

فى أوائل الخمسينيات، اكتشفت عزيزة أنها تعانى من مرض خطير، فاعتزلت التمثيل وركزت جهودها على كتابة سيناريو وحوار فيلم «خدعنى أبى»، ولعل هذه الحسرة كانت الدافع لقيامها بدور البطولة لمرة أخيرة فى فيلم «آمنت بالله»، لكن لم تعش عزيزة ما يكفى لتشاهد العرض الأول للفيلم حيث توفيت فى 28 فبراير 1952.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading