مشروع الميناء الأمريكي في غزة.. خطوة من أجل إيصال المساعدات أم مصالح جيواستراتيجية؟
أثار إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، إنشاء رصيف مؤقت قبالة سواحل غزة لاستقبال سفن تحمل مساعدات إنسانية للفلسطينيين، كثيرًا من التساؤلات حول فاعلية هذه الخطوة التي يستغرق تنفيذها وقتًا طويلًا، مقابل طرق أقل تعقيدًا وأسرع في توصيل المساعدات عن طرق الضغط على إسرائيل لفتح معابر برية لتمرير شاحنات النقل، التي تحمل المساعدات الغذائية والمياه والأدوية، إذ أوضح خبراء ومتخصصون أبعاد هذه الخطوة وأسباب المشروع.
يرى الدكتور شفيق التلولي، عضو المجلس الوطني الفلسطيني والمحلل السياسي، أن رصيف «بايدن» لا يحل مشكلة وصول الغذاء للجياع المحاصرين في غزة طالما لم يتم وقف لإطلاق النار، وضمان عدم تعرض قوافل المساعدات لاعنداءات الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن استهداف المدنيين الذين سيتلقوا هذه المعونات كما حدث عند دوار النابلسي.
وأشار السياسي الفلسطيني، في تصريحات لـ «المصري اليوم»، إلى أن إنشاء هذا الرصيف يستغرق وقتا طويلا ولا يحتمل الجائعين مزيدا من الانتظار ريثما ينجز، ناهيك عن النوايا الحقيقية لهذا الرصيف ربما لا تكون من أجل الجياع بقدر ما لها أبعاد أخرى ترمي إلى مصالح جيواستراتيجية في شرق المتوسط، الذي يرمي البيت الأبيض إلى تعزيزه في محاذاة القواعد الروسية في اللاذقية ما يثير مخاوف روسيا ويضع أزمة الغذاء في غزة كورقة ضمان سجال الفاعلين الدوليين في الإقليم.
وتابع: «من جهة أخرى فإن بايدن يريد أن يثبت عدم رضاه عن سياسة نتنياهو واستخدامه سلاح التجويع في تلك الحرب، وأنه هو من يتحكم في سير الحرب وليس نتنياهو، وخوفا من تمدد الحرب وانزلاقها الذي ليس في صالح الإدارة الأمريكية المقبلة على الانتخابات»، لافتا إلى أن بايدن يسعى إلى تحسين صورته التي شوهتها الحرب، وهذه الخطوة تأتي في إطار الضغط الذي يتعرض إليه بايدن على مستوى الشارع الأمريكي وعلى المستوى الخارجي.
أما عن الحل الأجدى لتأمين الغذاء للجياع أكد السياسي الفلسطيني ضرورة رفع الحصار فورا وإنهاء الحرب بقرار دولي في ظل فشل مفاوضات الهدنة، وإحياء مسار العملية السياسية وبسط السيادة الفلسطينية على قطاع غزة دون أي شكل من أشكال الاحتلال،
وأكد ضرورة إمداد غزة بالغذاء اللازم دون ممرات عسكرية واشتراطات أمنية من خلال منظمات دولية إلى أن تعود الأمور إلى نصابها وفق إطار النظام السياسي الفلسطيني.
كما أشار إلى أن هذه الخطوة تترجم فقدان ثقة الإدارة الأمريكية بنتنياهو وسياسته مما يمكن أن تؤسس لمسار آخر في الخطاب الأمريكي، موضحا: «لا أظنه سيؤدي إلى تحول جوهري لكن سيمثل عامل ضغط على نتنياهو بهدف ترويضه لصالح الرؤية الأمربكية في إدارة اليوم الحالي واليوم التالي للحرب، وقد يتطور الأمر إلى استصدار قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في شهر رمضان بسبب خشية الإدارة الأمريكية من تبعات ذلك.»
[image:2:center]
تنفيذ لمخطط التهجير
فيما يؤكد الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطيني، أن المشكلة ليست في الوسيلة التي تصل بها المساعدات إلى قطاع غزة وإنما بمن يفرض الحظر على دخولها ويمنع وصولها، والمتمثل بدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تستخدم المساعدات كوسيلة لعقاب شعبنا الفلسطيني.
وأضاف السياسي الفلسطيني، لـ«المصري اليوم»: «أخشى أن يكون الهدف من إقامة الميناء المؤقت هو تنفيذ لمخطط التهجير الذي فشل برياً من خلال تصدي مصر له ومنعت هجرة الشعب الفلسطيني وحشدت لهذا كل الدعم الدولي».
وأردف: «نقلق مما وراء هدف هذا الميناء، وأن يكون مغلفا بعنوان أنه وسيلة لدخول المساعدات، ولكن الحقيقة هو هدف السماح بالهجرة البحرية من هذا الميناء إلى قبرص، ولذلك يتوجب أن تكون هناك جهات فلسطينية وعربية تشرف على هذا الميناء للتصدي لمثل هذه المحاولات إن كان توقعي في مكانه» .
تكرس واقع الحصار وإطالة أمده
من جهته، قال الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي، أن فكرة الرصيف البحري تبدو جيدة في ظاهرها لكنها لا تشكل حلاً جذريًا لمشكلة الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، بالاضافة إلى أنها تحتاج فترة لتنفيذها، وتبين أن الحرب ستطال مدتها وما يعد مرفوضا.
وأوضح مهران لـ«المصري اليوم»، أن القانون الدولي الإنساني يلزم إسرائيل كقوة احتلال بتأمين حاجات السكان المدنيين من الغذاء والدواء، وبالتالي فإن أي آلية بديلة لا تعفي إسرائيل من هذه الالتزامات القانونية والأخلاقية.
وأكد الخبير الدولي أن «مقترح الرصيف البحري الأمريكي قد يكون له بعض الفوائد اللوجستية، لكنه لا يرقى لحل مشكلة الحصار الإسرائيلي من جذورها، موضحا أن هذا الرصيف قد يسهم في تسريع عملية نقل المساعدات وتفريغها، لكن في النهاية ستظل إسرائيل تتحكم بكمية ونوعية ما يدخل إلى غزة عبر سيطرتها الكاملة على المياه الإقليمية والمنافذ البحرية».
وأشار إلى أن هذه الآلية البديلة قد تكرس واقع الحصار وتطيل أمده، بدلاً من الضغط الحقيقي لإنهائه وفتح كافة المعابر بشكل دائم، مشددا على أن من حق الشعب الفلسطيني في غزة التمتع بحرية الحركة والتنقل وتأمين احتياجاته بكرامة دون قيود أو إملاءات، وهذا لن يتحقق إلا برفع الحصار نهائيًا.
وبين مهران أن استمرار فرض الحصار الإسرائيلي على غزة يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مشيرا إلى أن حرمان سكان غزة بشكل ممنهج من الحصول على الاحتياجات الأساسية للبقاء والحياة الكريمة قد يشكل جريمة ضد الإنسانية وفقًا للمادة 7 من نظام روما.
وشدد على أن استمرار منع دخول البضائع الأساسية وتقييد حركة الأفراد والمرضى يمثل انتهاكا جسيمًا للمادة 8 من النظام الأساسي والتي تجرّم التسبب عمدًا في معاناة شديدة للسكان المدنيين.
تفاصيل ميناء غزة
ووفقًا لمصادر عدة فإن المشروع يتضمن إنشاء ميناء عائم على ساحل غزّة بمساحة تقدر بستة كيلومترات مربعة، وبعمق للغاطس البحري يصل إلى 17 مترًا بما يسمح للسفن الكبيرة بتفريغ حمولتها فيه. وتقدر التكلفة الأولية للمشروع بـ 35 مليون دولار على نفقة واشنطن، ويتضمن المشروع أيضًا إنشاء مشافٍ عائمة، وكذلك بيوت إيواء عائمة بسفن إلى جانب المشافي، على أن يكون موقعه على شاطئ خان يونس على سواحل قطاع غزّة، وأن يتم إنجازه خلال مدة تتراوح بين 30 و60 يومًا.
أما بالنسبة لخط سير السفن، فمن المقرر- وفقًا للمخطّط- أن يتم تجميع المساعدات في ميناء لارنكا القبرصي على أن يتم شحنها إلى ميناء «أسدود» لتجري عملية تفتيشها وتدقيقها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يتم توجيهها بمرافقة البحرية الإسرائيلية إلى الميناء العائم المزمع إنشاؤه وبخط سير بحري يبلغ طوله حوالي 400 كم من قبرص إلى الميناء العائم.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.