ترجمات .. ونستون تشرشل.. أسطورة السياسة فى القرن العشرين


تتسم حياة السياسى العجوز الداهية ونستون تشرشل بتعدد جوانبها وغرابتها.. الذى قيل عنه بحق إنه آخر حلقة أسطورية فى تاريخ الإمبرطوريات المنقضية.. كما يعتبره الإنجليز بطلًا قوميًا وأسطوريًا، فهو رجل سياسة وحرب من الطراز الأول، وخطيبًا مفوها حيث كانت خطاباته إلهامًا عظيمًا إلى قوات الحلفاء، استطاع رفع معنويات شعبه أثناء الحرب، إنقاذ أمته التى أشرفت على الانهيار والدمار، وقادها للنصر فى الحرب العالمية الثانية، وربما لا يعلم معظم من خرجوا فى الثورات أو المنتصرين فى الحروب الحديثة حينما يرسمون علامة النصر بأصبعى السبابة والوسطى- إشارة للنصر على شكل (v) اختصارًا لكلمة نصر بالإنجليزية- أن تشرشل هو من ابتكر هذه الإشارة. تسلم جائزة نوبل فى الأدب، فى 10 ديسمبر عام 1953، ليكون السياسى الوحيد، الذى يتمكن من الحصول على الجائزة الأرفع فى مجال الأدب والثقافة.

على رغم أن ونستون تشرشل لم يكن أديبًا حقيقيًا، ولا رسامًا مبدعًا، فهو مارس الرسم وثمة لوحات عدة تحمل توقيعه، والبعض منها تحت أسماء مستعارة، مثل (تشارلز موران) و(ديفيد وينتر).. ويفسر البعض أن تشرشل حصل على نوبل فى الأدب بسبب مذكراته التى كتبها عن تاريخ الحروب وتطوراتها، البعض الآخر فسر ذلك بسبب كتاباته التاريخية التى قدمها، خاصة تلك التى وصف فيها الحرب العالمية الثانية. السياسى البريطانى المحنك كان غزير الكتابة، فقد نشر العديد من الكتب، أول كتبه، كتاب «حكاية قوات مالاكاند الميدانية» 1898، تلاه كتاب «حرب النهر» 1899، ثم كتاب «من لندن إلى ليدى سميت عن طريق بريتوريا» 1900. ومن بين كتبه الأخرى «أزمة العالم» فى أربعة مجلدات، 1923 – 1929، إضافة إلى كتب تاريخ الحرب العالمية الأولى، ونشره فى ستة مجلدات، بين عام 1923، و1931، وفى عام 1930، كما كتب سلسلة من السير الذاتية، وفى عام 1945، بدأ فى كتابة عمله الشهير الحرب العالمية الثانية، والذى أتى فى ستة مجلدات، وصار الكتاب الأكثر مبيعًا فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وآخر ما كتبه تشرشل، كان كتابه تاريخ الشعوب الناطقة بالإنجليزية، الذى نشر فى 4 مجلدات. وبعد مرور 59 عامًا على وفاته فى 24 يناير 1965، فإن تاريخه يمثل حقبة طويلة من الزمن جديرة بأن تقرأ بقصر بلنهايم فى محافظة أكسفوردشاير فى إنجلترا.. عمل ضابطًا فى سلاح الفرسان، ثم نـُقِل إلى مصر فى 1898 والتحق بسرية عسكرية فى مصر كانت تعمل فى السودان، وشهد ثورة الدراويش وحرب البويربين، وأُسر وهرب. بدأ حياته السياسية فى حزب المحافظين، وانتُخب عضوًا فى مجلس العموم، وفى 1904 انضم إلى حزب الأحرار، الذى نجح فى الانتخابات العامة، ثم عُيّن وزيرًا للتجارة، ثم وزيرًا للداخلية، ثم وزيرًا للبحرية، ثم حارب ضابطًا فى الجبهة الغربية بفرنسا، ثم عُيّن وزيرًا للذخيرة، ثم للحربية والطيران فى 1919، ثم عاد إلى حزب المحافظين، وفى 1924 عُين وزيرًا للمالية، وبين 1929و1939 بقى بلا منصب وزارى، فتفرغ للتأليف.

وكانت أهم مرحلة فى حياته السياسية فى فترة الحرب العالمية الثانية، فقد عُين عند اندلاع الحرب سنة 1939 وزيرًا للبحرية، وفى 10 مايو 1940 أصبح رئيسًا للوزارة، وفى 1945 قدم استقالته كرئيس للوزراء، وعاد مجددا لرئاسة الوزارة، وبقى حتى 1955، مُنح تشرشل لقب «سير»، لم ينقطع تشرشل عن ممارسة السياسة، بل تابع حضور المجلس العام حتى يوليو 1964، وتقاعد وأمضى معظم وقته فى منزله فى شارتويل أو فى عطلة فى الريفيرا الفرنسية. وتوفى فى 24 يناير 1965 عن 91 عاما.

«مذكرات تشرشل».. عندما قرأت عنوان الكتاب، توقعت أن يتم سرده لقصة حياة صاحبه، ولكن لم يتحدث فيها مطلقا عن أى أمر شخصى، واكتفى فقط بتأريخ الحرب العالمية ووصف وحشيتها ودمارها. نُشرت لأول مرة فى 1 يناير 1948، أصر تشرشل على أن هذه المجلدات عبارة عن مذكرات: «هذا ليس تاريخًا- هذه هى حالتى» «جهد حياته» الذى كان «راضيًا عن الحكم عليه». ترجمت المذكرات إلى اللغة العربية وصدرت عن دار الكتب السياسية، القاهرة: 1962، والهيئة المصرية العامة 1970، وتوالت دور النشر على صدور تلك المذكرات، ولكن معظمها فى الحقيقة هى نسخة مختصرة من النسخة الإنجليزية الأصلية، والتى تصل إلى ستة مجلدات، نُشرت الكتب على مدى ست سنوات، وصدر كل كتاب أولًا فى الولايات المتحدة تحت العناوين التالية: العاصفة المتجمعة (1948)، أفضل ساعاتهم (1949)، التحالف الكبير (1950)، مفصل القدر (1950)، والخاتمة (1951)، وانتصار والمأساة (1953). على الرغم من أن الطبعة الأمريكية اليوم قد تكون أكثر ندرة. نُشر ملخص ممتاز فى مجلد واحد فى عام 1959، إلى حد كبير عمل مساعد أبحاث تشرشل، دينيس كيلى، على الرغم من أن تشرشل ساهم بخاتمة مثيرة للاهتمام تغطى الأعوام 1945-1957.

تعتبر مذكرات تشرشل من أهم الآثار السياسية والتاريخية التى كتبها رجل سياسى فى العالم، صاغ التاريخ وراقبه كممثل وشاهد عيان فى المقعد الأمامى. فهى تصوير حى للأحداث التى وقعت فى العالم فى القرن الماضى، فهذه المذكرات الحافلة بسرد الأحداث الدولية المتعاقبة، من المعارك والمؤتمرات والأحاديث والمغامرات صورة حية نابضة، كتبها تشرشل بأسلوب راق سهل تفيض بتفاصيلها فى تبيان تلك الأحداث العالمية، بما يجعله سجلًا هائلًا لحقبة هامة فى تاريخ البشرية.. وإذا كانت هذه المذكرات فيها جوانب يتفق فيها المرء مع صاحبها فى الرأى، إلا أنها لا يمكن أن تفقد قيمتها التاريخية والسياسية الكبيرة. أوضح «تشرشل»، فى مقدمة كتابه، دوافعه لكتابة تلك المذكرات فقال: أحاول أن أقص أسوأ مأساة تعرض لها الجنس البشرى فى تاريخه. إن المأساة المخيفة لم تقتصر على الضحايا وعلى الدمار الذى لا بد منه فى الحروب، ففى الحرب العالمية الثانية وقعت مجازر رهيبة، كما فقدت كنوز كثيرة من الثروات التى جمعتها الشعوب.. وإذا ما استثنينا الأعمال العنيفة التى حصلت أثناء الثورة الروسية، فإن الحضارة الأوروبية، بقيت ولم تزل حال انتهاء الحرب العالمية، كما أن الشعوب المتحاربة عادت لتعترف ببعضها البعض، وبقى الجميع يحترمون القوانين والأعراف الحربية. يمكن القول إن الجهاز الدولى الذى أنشئ لحمايتنا كلنا، وخاصة حماية أوروبا نفسها ضد أخطار جديدة. إلا أن الحرب العالمية الثانية لم تكن كذلك. لقد زالت الروابط التى كانت تربط بين الإنسان وأخيه الإنسان. لقد قام الألمان، تحت الحكم الهتلرى، باقتراف جرائم منكرة وحشية لا مثيل لها. ولا شك أن المجازر التى أودت بحياة ستة أو سبعة ملايين رجل وامرأة وطفل فى معسكرات الاعتقال الألمانية قد تطغى على جرائم جنكيز خان الهائلة وتفوقها وحشية.. سأحاول أن أكشف للقارئ كيف كان بإمكاننا تجنب حرب عالمية ثانية، نظرًا لكونى عشت هذه الأيام وعملت فيها. سرد «تشرشل» بأسلوب متميز كيف كان يعيش فى الحرب العالمية الثانية وكيف كان يبنى مواقفه وكيف استطاع أن يخرج ببلادة من عثرة قوية كادت أن تبيدها.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading