آخر ما قالته المنفَضة.. «قصة قصيرة» لـــ ياسر سليمان


يدٌ غليظة داست بعنف السيجارة فى المنفَضة، كانت السيجارةَ الثلاثين خلال ساعتين، المنفضة المسكينة كانت تنتظر الفيلم، لكن الرجل صاحب اليد الغليظة لا يحِب الأفلام مثل ابنته الرقيقة نور.

كان يحب حلقات المصارعة، والمنفضة اعتادت بل أحبت الأمر بعد فترة، لكن جلوسه فى البيت الذى أصبح كثيرًا أرهقها وزادَ مِن الحروق على جسدها للدرجة التى صرخت ذات ظهيرةٍ لِمَ خَلقنى الله منفضدة؟!، لحسن الحظ لم يسمعها سوى طبق الفنجان الذى كان بجوارها والفنجان والمنضدة العجوز.

المنضدة عجوز تدّعى الحكمة، ومن الحكمة الصمت.. فصمتت. والفنجان فيه مسحة كِبرٍ لا يليق به الدخول فى حديث مع العوام كالمنفضة.. فصمت. قال طبق الفنجان نحن لم يخلقنا الله، نحن مجرد أشياء.. المنفضة كانت حزينة وجد مكتئبة، كانت تنتظر وصول نور لتشاهد معها ريبونزل.

يبدو أنها قادمة، تستطيع المنفضة أن تَعلم ذلك بثقةٍ بالغة؛ فرائحة الفانيليا تسبق نور، تستطيع المنفضة تمييزها حتى وإنْ كانت ممتلئة بأعقاب السجائر ورائحتها الكريهة. جاءت نور فى الوقت المناسب تمامًا، بدأ الفيلم.. لكنها لم تلبث أن نامت.

لا يهم، المهم أنى سأكمل الفيلم.. هكذا قالت المنفضة، وأردفت برجاء أحِب الساحرة، ألا تستطيعين أيتها الساحرة الطيبة أن ترحمينى من هذا العذاب، أريد أن أكون مرفهة كطبق الفنجان، لا أحد يطفئ فيه السجائر أو يرمى فيه أشياءَ قذرة كالمناديل الورقية، أيتها الساحرة الطيبة.. أيتها الساحرة الطيبة.. كان آخر ما قالته المنفضة.

كانت يد الساحرة رقيقة تفوح منها رائحة الفل حين ربّتت على المنفضة وهى تجلس على المنضدة العجوز وتحرّك رِجليها فى لامبالاة، وبلمسةٍ صغيرة صارت المنفضة كما أرادت طبقًا مدلّلاً لفنجان، فى اليوم الأول كان سعيدًا ومنتشيًا بمكانه الجديد فى النيش، فى اليوم الثانى كان سعيدًا لكنه قبْل أن يغفو اشتاق لفيلم كرتون، فى اليوم الثالث كان سعيدًا نوعًا ما، لكنه يشعر بالوحدة. فى اليوم السابع انتحر طبق الفنجان.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading