الخطاب الإعلامى.. رصاصٌ موازٍ فى حرب غزة


فى عالم تتنافس فيه القوى وتتلاقى المصالح، أصبح استخدام الآلة الإعلامية وسيلة فعالة للتأثير والتوجيه، وفى ظل الحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلى، منذ السابع من أكتوبر الماضى، أدرك الجانبان أهمية الخطاب الإعلامى فى تشكيل الوعى العام، والذى يُمثل عنصرًا مساندًا للآلة العسكرية، لذلك بدا كل منهما لديه استراتيجية إعلامية مُحددة، حيث يستخدم كلٌ منهما الإعلام كوسيلة لتبرير نفسه وترويج أفكاره.

ومن خلال هذا التحليل، سنقدم عرضًا شاملًا حول استخدام الآلة الإعلامية فى خطاب حماس الإعلامى مقابل الخطاب الإسرائيلى، ومناقشة التكتيكات المستخدمة، وتحليل التأثير الذى يمكن أن يكون لهذه الاستراتيجيات على المشاهدين والمستمعين. فيما يشير خبراء فى تحليل الخطاب الإعلامى، لـ«المصرى اليوم»، إلى أن خطاب حماس أكثر متانة بالتوازى مع خطاب إسرائيل، حيث كانت حماس دقيقة فى التوثيق والإحصاء والبراهين، واختُزل فى فكرتين أساسيتين: «حشد الإنجازات الميدانية وفضح الانتهاكات الإسرائيلية»، دحض الرواية الإسرائيلية العملياتية، والموجهة للشعب الإسرائيلى حول خسائره، فى المقابل حاول الاحتلال من خلال خطابه خلق شرعية زائفة بأحقية الدفاع عن النفس وحشد التأييد الغربى.

رسائل دعائية مضادة وخلق شرعية زائفة

يشير باسم راشد، باحث متخصص فى تحليل الخطاب الإعلامى، إلى أن هناك فوارق جوهرية تتضح من تحليل خطابات كل من حركة حماس وإسرائيل، خطاب حماس هو خطاب حركة مقاومة بالأساس، يكتسب شرعيته من مجابهة قوة محتلة، وبالتالى هدفه الأول تعبوى لرفع معنويات الجماهير الفلسطينية وتثبيت المقاومة، فيما يسعى لتحقيق أهداف أخرى كتوجيه رسائل دعائية مضادة للداخل الإسرائيلى من ناحية، وكذا توثيق الجهد العسكرى للحركة من ناحية أخرى، فى المقابل، خطاب إسرائيل هو خطاب دولة محتلة لأرض الغير، فيحاول خلق شرعية زائفة بأحقية الدفاع عن النفس، لكسب الدعم الدولى وحشد الداخل الإسرائيلى لتأييد العمليات العسكرية فى غزة. وفيما يتعلق بمصداقية الخطاب؛ أشار راشد إلى أن خطاب أبوعبيدة عكس نبرة الثقة والتحدى فى قدرات المقاومة فى مواجهة العدوان الإسرائيلى، واستعرض بشكل متواصل تطورات المعركة على الأرض مدعومة بحجم الخسائر فى قوات العدو، بينما سعى فى الوقت ذاته إلى التشكيك فى خطاب نتنياهو بأنه «كبَّد المقاومة خسائر كبيرة» لإفقاده المصداقية فى مواجهة الداخل الإسرائيلى المشتعل ضده بالأساس، كما استهدف أبوعبيدة كذلك قلب المعركة الإعلامية على إسرائيل بخطابه الذى يؤكد دومًا أن «إسرائيل لم تفلح إلا فى قتل الأبرياء من النساء والأطفال»، فى المقابل، وبالرغم من القدرات العسكرية المتقدمة للجيش الإسرائيلى، بدا ملموسًا حالة الارتباك التى أصابت القيادات فى إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، وهو ما انعكس فى القلق الذى ساد خطاب نتنياهو خاصةً فى بداية الحرب، حينما قال إن «الجيش الإسرائيلى يتعرض لخسائر مؤلمة فى المعارك مع حماس»، و«إننا فى حرب طويلة وصعبة»، ناهيك عن كتابة نتنياهو تغريدة لام فيها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بسبب هجوم 7 أكتوبر، ثم اعتذر عنها لاحقًا ما يعكس حالة الاضطراب التى يعيشها الداخل الإسرائيلى جراء تلك الأحداث.

تفكيك رواية العدو وسردياته التقليدية

يضيف «راشد»، لـ«المصرى اليوم»، أن خطاب حماس عمل بشكل أساسى على تفكيك رواية العدو وسردياته التقليدية، ليس على مستوى الخطاب فحسب، بل أيضًا على مستوى ما تم نشره من فيديوهات تفجير الآليات العسكرية الإسرائيلية (المسافة صفر)، وفى أعقاب ذلك، قال عبيدة فى أحد خطاباته أن «زمن بيع الوهم للعالم حول أكذوبة الجيش الذى لا يُقهر والميركافا الخارقة والاستخبارات المتفوقة، كل هذا انتهى زمنه وقد كسرناه وحطمناه أمام العالم»، وهى سردية بديلة مدعومة بوقائع منذ بداية الحرب هدفها تفكيك السردية التقليدية للعد وإفقادها الثقة فى قدراته، ما انعكس لاحقًا، ربما فى أحد جوانبه، فى الانشقاقات التى سمعنا عنها داخل الجيش الإسرائيلى، فى المقابل، عكست خطابات المسؤولين الإسرائيليين تعجرفًا واضحًا واستخفافًا بكل قيم حقوق الإنسان التى يدعى الغرب الحفاظ عليها، بما وضع كثير من الدول الداعمة لإسرائيل فى موقف حرج عالميًا، بل إنه ساهم أيضًا – إلى جانب فيديوهات قتل الأطفال وتمزيقهم فى غزة- فى انقلاب الشعوب الغربية على حكامها، إلى أن وصل الأمر لحد تنظيم مظاهرات كبرى فى قلب لندن والولايات المتحدة نفسها، وتصاعد حدة الدعوات الشعبية الغربية لوقف الحرب.

الخطاب المرئى لتسليم الأسرى

عنصر آخر مهم يضيفه «راشدط يتعلق بملف الأسرى، وهو ملف محورى فى إطار هذه الحرب، فقد اعتمد الخطاب المنطوق لحماس على تأكيد القوة والثبات فى الموقف؛ إذ قال أبو عبيدة «لا إسرائيل ولا داعموها يستطيعون أخذ أسراهم أحياء دون تبادل ونزول عند شروط المقاومة والقسام»، وفى الوقت ذاته كان الخطاب المرئى لتسليم الأسرى الإسرائيليين عاكسًا لقيم المقاومة واحترامهم لاحتياجات الأسرى من غذاء وأدوية بشهادات الأسرى أنفسهم، بينما فى المقابل خرج الأسرى الفلسطينيون من السجون الإسرائيلية مصابين بكسور وجروح فى أماكن متفرقة من أجسادهم، بما يعكس التعذيب والتنكيل الذى يعانونه داخل تلك السجون.

سلاح الحرب النفسية

من جهته، يقول الكاتب والمحلل الفلسطينى هاشم شلولة، إن خطاب حماس الإعلامى لعب دورًا مهما فى شرح المعركة، وسرد أهدافها وتفاصيلها وتطوراتها بالطريقة التى تؤيد سردية حماس، كما عمل على تشكيل الوعى العام، وقد بدا واضحًا أن حماس لديها استراتيجية إعلامية معينة منذ السابع من أكتوبر، تمثلت فى حرص قادتها السياسيين والعسكريين على الظهور الدائم منذ بداية المعركة.

ويشير شلولة لـ«المصرى اليوم»، إلى أن خطاب حماس كان موازيًا للخطاب الإسرائيلى «ضخمِ الإمكانية»، الذى تبنته منظومة إعلامية وسياسية وعسكرية، ووُجِّه بدوره للمجتمع الدولى شارحًا ما سماه انتهاكات حماس للأمن والسلم الإسرائيليين، والتأكيد على أن السابع من أكتوبر هو عمل إرهابى بحق المواطنين الإسرائيليين، الذين يعيشون فى مستوطنات غلاف غزة.

تراجع أسهم الرواية الإسرائيلية المعهودة عالميا

ويؤكد، لقد وظفت حماس خطابها كسلاح للحرب النفسية، لاسيما أن إسرائيل تستخدم السلاح نفسه، ولكن التأثير الأعمق كان لخطاب حماس، لأنَّ مضمونه اختُزل فى فكرتين أساسيتين، وهما: حشد الانجازات الميدانية، وفضح الانتهاكات الاسرائيلية، كما أنّه وجد تضامنًا إقليميا شعبيا، مما سهل على حماس شرح تصدّيها لإسرائيل خلال الفترة التى أعقبت السابع من أكتوبر، فى المقابل، إسرائيل كانت حريصة فى خطابها على تغطية صدمة السابع من أكتوبر وحشد التأييد الغربى- الصدمة كانت أكبر من التغطية عليها، ويعود ذلك للنجاح الاستخباراتى غير المسبوق للعملية، مما عمل ذلك على ارتباك الخطاب الإسرائيلى، أمام حشد التأييد فلم تسعف إسرائيل نزعتُها الانتقامية لما حدث، فقد تفوّقت صورة الدمار الذى أحدثه الانتقام على صورة المظلمة الإسرائيلية التقليدية الموجّهة للغرب، والتى كشفها تضافر الكفاءات الإعلامية العربية المتضامنة التى تنقل الصورة للغرب، والتى تأثرت بترتيب الخطاب الحمساوى الموجّه للمواطن العربى، وقد دعّم ذلك خطاب حماس خلال الفترة الماضية، وساهم فى تراجع أسهم الرواية الإسرائيلية المعهودة عالميا.

ويضيف: من أهم نقاط استراتيجية خطاب حماس الإعلامى حرصها على إظهار ما تمتلكه من قدرات قتالية وإمكانات عسكرية، بهدف إبراز القدرة على التحكم بموازين المعركة، كما ركزت على نشر خسائر إسرائيل وخصوصا خلال الهجوم البرّى، رغم تفاوت حجم الخسائر بالتزامن مع الإعلان الإسرائيلى لها، هذه النقاط تخص الجانب العملياتى التكتيكى، ويبدو خطاب حماس أكثر متانة بالتوازى مع خطاب إسرائيل؛ لأنَّ حماس كانت دقيقة فى التوثيق والإحصاء والبراهين، وكان من مضامين الخطاب الحمساوى دحض الرواية الإسرائيلية العملياتية، والموجهة للشعب الإسرائيلى حول خسائره، مما أحبط الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهذه نقطة تُحسب لحماس كونها هدفا من الأهداف التى عملت حماس على تحقيقها.

يوآف جالانت ونتنياهو

توظيف ورقة الرهائن

أما عن جانب الخطاب السياسى، يقول شلوله إنه ركز على التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة بحق الفلسطينيين، وكسب الرأى العام العربى، أيضًا؛ التركيز على مركزية الدور المصرى فى القضية، وتجاوز الخلاف مع السلطة، والأهم؛ توظيف ورقة الرهائن فى الحرب النفسية ضد الجمهور الإسرائيلى الذى يضغط بدوره على القيادة الإسرائيلية من أجل إنهاء هذه الحرب، التى لو انتهت على ما هى عليه، بالتأكيد ستتحقق الهزيمة العسكرية لإسرائيل، جعل ذلك الخطاب الإسرائيلى فى مهب الريح، حيث اضطرت إسرائيل لتكثيف جهودها فى شرح تحكمّها فى موازين المعركة من خلال استعراض قدراتها العسكرية، واستجداء الدعم العسكرى الأمريكى، أيضا؛ تبرير القصف وتدمير البنية التحتية لغزة، كما ركزت على عواطفه الخطاب الموجه لأهالى الرهائن والجنود القتلى خلال المعركة، لشرعنة استمرار الحرب، وتخفيف حدّة احتجاج أهالى الرهائن من أجل عودة ذويهم.

فى المقابل، كان خطاب إسرائيل السياسى مرتكزا فى البداية على الحديث عن إطالة عمر الحرب، تهجير سكان غزة، والتأكيد على تحقيق أهدافها المتمثلة فى القضاء على حماس وتحرير الرهائن، وكان ذلك ترجمة للحرب الإعلامية ضد الشعب الفلسطينى، وبعد الهدنة التى استمرت سبعة أيام، ركزت إسرائيل فى خطابها على مراعاة الجانب الإنسانى للمواطنين الفلسطينيين بغزة وانفتاحها المصطنع على المفاوضات، من أجل ضمان الدعم الأمريكى، كون الولايات المتحدة أكدت على ذلك خلال الحرب، وفى مرحلة متأخرة، كان تركيز إسرائيل على اليوم التالى للحرب، وذلك لتشتيت أنظار العالم عن اليوم الراهن، والتغطية على المجازر والممارسات التدميرية بحق قطاع غزة، والتى تضاعفت خلال هذه المرحلة.

خطاب حماس أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة

ويؤكد: «كان هناك سباق خطابى واضح بين حماس وإسرائيل، كان مؤثرا وله ارتداداته العميقة على مسار الصراع، فمن جانب؛ أوصل خطاب حماس صورةً أوضح لأفعال إسرائيل القمعية بحق غزة والمسكوت عنها من قبل المجتمع الدولى، وسلّط الضوء على أن ما حدث فى السابع من أكتوبر هو ردّة فعل انفجارية على الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى وقضيته على مدار الفترة المنصرمة؛ فإن حماس تفوقت فى خطابها، واستطاعت من خلاله صناعة رموز تدلّ عليها، كما أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد تراجعها منذ بداية الألفية الجديدة.

من جانب آخر؛ استطاعت إسرائيل أن تستغل نشر حماس لقدراتها القتالية فى تسويغ قتلها للمدنيين فى قطاع غزة وتدمير البنية التحتية، بحجة التصدى لحماس، حاولت إسرائيل أيضا التصدى للخطاب من خلال بناء رواية مقابلة، تركز على أن إسرائيل تراعى الجانب الإنسانى وتسمح بدخول الغذاء والدواء للمدنيين. ويردف: »الحقيقة أن حجم الدمار الذى أحدثته إسرائيل لا يمكن تغطيته خطابيا، وقد منح ذلك المصداقية والتفوق فى خطاب حماس الإعلامى؛ الذى أكد فى كل مراحل فترة الحرب المختلفة أنَّ الحربَ حربان، ميدانية عسكرية وأخرى موازية إعلامية لا تقل ضراوة عن العسكرية.. سيفوز فيها من يعرف ما يريد إيصاله، لديه أجندته المنظمة والمقصودة والموجهة«.

بث رسائل سياسية محددة

من جهتها قالت الدكتورة نادية حلمى، أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف، الخبيرة فى الشؤون السياسية، إن التحول جاء فى مضمون الخطاب السياسى لحركة حماس وجناحها العسكرى بقيادة إسماعيل هنية ويحى السنوار بعد حرب غزة مباشرةً، والتى حاولت من خلالها الحركة بث رسائل سياسية محددة، مفادها أنها حركة ذات ثقل فى التفاوض حول مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، وأنها جاهزة لخوض مسار سياسى عميق، بعد أن تهدأ المعارك، ووضع حد لإطلاق النار فى قطاع غزة المشتعل متزامنًا مع وقف الاشتباكات المسلحة، ومن خلال مراجعة كافة الخطابات الإعلامية والسياسية لحماس، سيتضح أن قائدها «إسماعيل هنية» وقيادة حماس يفكرون بمرحلة ما بعد انتهاء العدوان، وكيف سيتم ترتيب أوضاع القطاع الذى تعرض لحملة همجية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلى، مما يجعل مسؤولية إدارة القطاع وإعادة إعماره والتعامل مع الوضع القائم، بمثابة أمر مؤرق لحماس، ومن هنا جاءت خطاباتهم السياسية كى تعكس حالة القلق والثبات فى الوقت ذاته فى مواجهة هذا العدوان الإسرائيلى الغاشم فى مواجهة شعب غزة، وعلى الجانب الإسرائيلى، فقد جاء مضمون وفحوى الخطاب الإعلامى مختلفًا، مع حرص كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية على وصف هجوم حماس على عدة مواقع إسرائيلية بأنه «هجوم إرهابى مسلح أو من قبل ميليشيات مسلحة» ضد مدنيين عزل فى مستوطنة «غلاف غزة»، مع التركيز على تكرار عبارة بدء حماس بالعدوان غير المبرر، دون أى إشارة إلى مسؤولية السياسات الإسرائيلية عما وصلت إليه الأمور من قبيل التوسع فى بناء المستوطنات الإسرائيلية وطرد سكانها الفلسطينيين منها، مع التركيز على تصوير الحرب الراهنة فى قطاع غزة، بأنها حرب بين حماس وإسرائيل وليست حربًا بين إسرائيل والشعب الفلسطينى المحتل.

وتشير لـ«المصرى اليوم»: جاءت الصورة الإعلامية والدعائية المزيفة للإعلام الإسرائيلى والتى نقلها عنهم الإعلام الغربى والأمريكى، باستخدام حركة حماس للأطفال والمدنيين كدروع بشرية، أو استخدام المستشفيات والمدارس وأماكن لتخزين الأسلحة، مما أدى لسقوط ضحايا مدنيين، وكأن هذا هو مبرر لقتل الأطفال والنساء الفلسطينيين وسلبهم حق الرعاية الصحية بعد الدمار الذى لحق بهم، مع إلقاء الفوسفور الأبيض المحرم استخدامه دوليًا عليهم، ولكن جاء الرد الفلسطينى من خلال قادة حماس بنشر صور قيام إسرائيل بالتدمير الممنهج للبنية التحتية بقطاع غزة، واستخدام الجيش الإسرائيلى للتوسع فى استخدام العنف المفرط ضد المدنيين الفلسطينيين، وفرض نزوح داخل القطاع، مع الحرص على تصدير تلك الصورة والمشاهد الحقيقية للصراع إلى الرأى العام الغربى، والذى كان يشهد قدرًا ملحوظًا من التمايز الداخلى بشأن الأزمة الراهنة فى غزة.

مسار التحولات فى الخطاب السياسى لحماس

وتضيف: «بتحليل مضامين مسار التحولات فى الخطاب السياسى لحماس، سنجد بأن ملامح الخطاب الإعلامى لحماس فى الفترة الأخيرة بدأت فى التركيز على قضية وقف العدوان الإسرائيلى الغاشم على أبناء الشعب الفلسطينى بشكل كامل وليس مؤقتا، مع تجديد قيادات حركة حماس على موقفهم بعدم الدخول فى مفاوضات لتبادل الأسرى مع إسرائيل إلا بعد وقف إطلاق النار، وسط خطابات إسرائيلية مماثلة عن مقترحات للتهدئة، وجاء مضمون خطابات حركة حماس فى الفترة الأخيرة منصبًا على أن قرارهم النهائى بشأن ثمن الإفراج عن بقية الأسرى الإسرائيليين لديها هو (تبييض سجون الاحتلال الإسرائيلى) من جميع الأسرى الفلسطينيين، سواء على دفعة واحدة أو بصفقات مجزأة، كما تركز الخطاب الإعلامى لحركة حماس على استعراض إظهار ما حققته الحركة من مكاسب ميدانية فى مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلى، بالتركيز على عنصر الأرقام الكبيرة فى الخسائر التى تسبب بها لجيش الاحتلال الإسرائيلى، خاصةً أعداد القتلى بصفوف مقاتلى الجيش الإسرائيلى، وتمثل ذلك من خلال توظيف الجناح العسكرى والإعلامى لحماس على شن حرب نفسية ضد إسرائيل لكسب قاعدة جماهيرية وشعبية كبيرة فى كافة أنحاء الوطن العربى والعالم، كما جاء تركيز كافة الخطابات الإعلامية والشعبية لحماس على إبراز أهم الخسائر المادية والبشرية التى تم إلحاقها بالقوات الإسرائيلية من قبل الفصائل الفلسطينية، فضلًا عن محاولة كسب الشارع العربى لصالحها عبر استثارة مشاعر وحشده للتضامن مع الفلسطينيين، بالتركيز على كافة ما يتعرضون له من عنف ممنهج وعقاب جماعى غير شرعى أو قانونى، مع حشد الإعلام العربى والصحف العالمية من خلال الضغط الإعلامى لحركة حماس للضغط باتجاه إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ثم تصعيد لهجة الخطاب الإعلامى لحماس إلى المطالبة بطرد السفراء الإسرائيليين من كافة الدول العربية والإسلامية ووقف كافة أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلى الصهيونى المسؤول عن إراقة دماء الفلسطينيين ومقتل الآلاف من أطفال غزة ونسائها وهدم بيوتهم وتسويتها بالأرض، واستخدام أسلحة محرمة دوليًا كقنابل الفسفور فى مواجهة المدنيين الفلسطينيين العزل.

كيف يودع المخطوف خاطفه؟

كما سلط الخطاب الإعلامى لحماس على حصر أعداد القتلى والجرحى من الإعلاميين العاملين فى قطاع غزة وإجبار عدد كبير من الصحفيين، على النزوح إلى رفح لتجنب القتل على أيدى الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة المحاصر، وحرص على إظهار تلك الصورة المشرفة وإنسانيتهم أمام الغرب والعالم، من خلال تسليط الأضواء على كيفية تعامل المقاومة الفلسطينية مع الرهائن الإسرائيليين ومزدوجى الجنسية، ومشاهد توديع الرهائن الإسرائيليين للمقاومة أثناء عمليات التسليم، وجعل العالم يتساءل عن: كيف يودع المخطوف خاطفه؟.

وهنا يمكننا فهم كيف نجحت المقاومة الفلسطينية فى إيصال رسالة مفادها أن كل ما يقال عنها فى الإعلام الغربى أو من قبل ادعاءات الاحتلال الإسرائيلى، فهو باطل وعكس الحقيقة، خاصةً فيما يتعلق بالتعامل مع الأسرى والرهائن الإسرائيليين والأجانب المحتجزين لديها، وإظهار مدى إنسانية المقاومة الفلسطينية عالميًا. فى المقابل جاء مضمون الخطاب الإعلامى لإسرائيل عبر رئيس وزرائها «نتنياهو» فى مقاله المنشور بصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، والتى ركز فيها على عبارة «لابد من تدمير حماس، ولابد من نزع سلاح غزة، ولابد من استئصال التطرف فى المجتمع الفلسطينى، شروط أساسية لتحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين فى غزة»، كما أكد فحوى خطاب «نتنياهو» مرة أخرى أمام الكنيست بأن «إسرائيل لن تتمكن من تحرير جميع الرهائن من دون ضغط عسكرى، وبأنهم لم يكونوا لينجحوا حتى الآن فى إطلاق سراح أكثر من ١٠٠ رهينة من دون ضغط عسكرى على حركة حماس»، وأيد «نتنياهو» فى استمراره فى الحرب على قطاع غزة وزير الأمن القومى الإسرائيلى المتطرف «إيتمار بن غفير»، الذى قال بأنهم لن يتمكنوا من تحرير بقية المختطفين من دون الضغط العسكرى، الذى يجب أن يزيدوا من شدته، وجاء تكرار كافة عناصر الحكومة الإسرائيلية مرارًا لسعيهم لتصفية قادة حماس، وفى مقدمتهم رئيس الحركة فى غزة «يحيى السنوار» وقائد جناحها العسكرى «محمد الضيف»، والإعلان عن تخصيص مكافآت مالية لمن يدلى بمعلومات عن أماكنه، ورغم الدعاية الإعلامية الإسرائيلية عن وضع خطة لضرب وتدمير كافة أنفاق حركة حماس فى غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلى قد أخفق فى الكشف عن الأنفاق الهجومية التى حفرتها حركة المقاومة الإسلامية حماس باتجاه مستوطنات «غلاف غزة» ضمن التحضيرات لمعركة «طوفان الأقصى»، ويضاف ذلك إلى الفشل الاستخباراتى لتل أبيب فى التحذير ومنع الهجوم المفاجئ لكتائب القسام على منطقة الغلاف والبلدات الإسرائيلية فى الجنوب يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.

كما جاء استعراض وسائل الإعلام والصحافة العبرية لكافة تلك الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية فى الكشف عن الأنفاق الهجومية باتجاه مستوطنات «غلاف غزة»، والتى واصلت حركة حماس حفرها فى مارس ٢٠٢٣، وذلك ضمن التحضيرات للهجوم المفاجئ، بدون أن تكتشف مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تلك الحفريات، وهو ما يلقى اللوم والتقصير على الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية، وهنا نجد بأن هناك توترًا فى لغة الخطاب السياسى والعسكرى المستخدم فى أعلى المستويات السياسية والأمنية بإسرائيل، خاصةً بشأن (قضية الرهائن المحتجزين)، والتى اتضحت فى منع رئيس الوزراء «نتنياهو» لوزير الدفاع «يوآف جالانت» من إجراء مباحثات فردية فى هذه المسألة مع رئيس جهاز الموساد، كمحاولة سياسية إسرائيلية عبر وسائل الإعلام للإشارة عن قرب رئيس وزرائهم من الجنود، فقد تم بث صور وفيديوهات مباشرة وحية له، للتأكيد على أن وجوده هو دعم لاستمرار الحرب على قطاع غزة حتى تنتهى من تحقيق أهدافهم بالقضاء على «إرهاب حماس»، من خلال خطاب «نتنياهو»، الذى أكد فيه، بأنه «عائد الآن من غزة، حيث التقى بفرقة احتياط فى الميدان، الجميع سألونى شيئًا واحدًا فقط ألا نتوقف ونستمر حتى النهاية».

وتقول الكاتبة الفلسطينية أسماء ناصر، لـ«المصرى اليوم»، خطاب المقاومة موحد وصادر عن جهة متفق ومتوافق عليه، فيما تصدر خطابات العدو من أكثر من جهة نتنياهو يوظف الخطاب دعاية انتخابية بينى جانتس يشكك فيه ولا يختلف عنه فى الهدف، ثانيًا: خطاب المقاومة فى مجمله يؤكد على الصمود ولغة الانتصار، فى حين يبدو خطاب العدو مهزومًا كتعبير غير مباشر عن هزيمته فى المعركة، ثالثًا: بما أن المقاومة هى من يحدد مجريات الحرب فإن خطابها يأتى متوازنًا واثقًاـ الانقسام الحاصل فى المستوى السياسى والمجلس المصغر ـ الكابينت ـ انعكس على لغة الخطاب وحتى على الشارع، رابعًا: تأثير كل من الخطابين على المتلقى يختلف تماما عن جمهور كل منهما فبقدر الثقة التى يمنحها الناطق باسم المقاومة نجد أن الشارع الإسرائيلى فاقد الثقة بقادته.

وعن لغة الجسد تشير الكاتبة الفلسطينية إلى أن حركة الناطق باسم المقاومة تنم عن ثقة وثبات ودراية، فى المقابل عبرت نظرات المتحدث الإسرائيلى وحركات جسده عن تخبط وجهل فيما ستؤدى إليه الخطوة التالية.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading