«الفيتو».. سلاح «واشنطن» لحماية إسرائيل فى مجلس الأمن
«لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة»، تصريحات للرئيس الأمريكى جو بايدن، تصدّرت عناوين الصحف، في عام 1986، عندما كان وقتها عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكى، ثم توالت التصريحات، وكان أبرزها ما نقلته شبكة CNN عن بايدن بقوله: «إذا كنت يهوديًا فسأكون صهيونيًّا»، حيث أشار إلى أنه «لا يُشترط علىَّ أن أكون يهوديًّا لأصبح صهيونيًّا، وهذا لأن إسرائيل تُعتبر ضرورية لأمن اليهود حول العالم».
وبعد سنوات من كلمة «بايدن»، جاء مشهد آخر، ولكن ليس بصفته عضوًا في الحزب الديمقراطى، ولكن بصفته رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، في مشهد تصدر جميع وسائل الإعلام العالمية باهتمام كبير في جميع أنحاء العالم، عند احتضان جو بايدن لنتنياهو في 18 أكتوبر 2023 على مدرج مطار بن جوريون في تل أبيب، هذا العناق، الذي جاء بعد 11 يومًا فقط من عملية «طوفان الأقصى».
المشهد الذي اعتبره كثيرون شيكًا على بياض من الولايات المتحدة لتقوم إسرائيل بكل ما يحلو لها ضد قطاع غزة المُحاصَر، فمنذ اللحظة الأولى أقر مجلس النواب الأمريكى خطة صاغها الجمهوريون لتوفير مساعدات عسكرية لإسرائيل، كما أرسل البنتاجون حاملتى طائرات إلى المنطقة لإظهار الدعم لإسرائيل.
لم تدعم أمريكا إسرائيل بالأسلحة فحسب، بل وقفت ضد إرادة العالم في الأمم المتحدة، التي طالبت بوقف فورى لإطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الأراضى المُحاصَرة، كما فشل مجلس الأمن الدولى في تمرير مشروع قرار يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار في غزة، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو»، للمرة الثالثة، ضد قرار الأمم المتحدة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر الماضى لوقف طلب إعلان هدنة إنسانية فورية.
لماذا تمتلك الولايات المتحدة
مثل هذه القوة؟
مؤسسة حق النقض، «الفيتو»، اعتمدتها الجمهورية الرومانية في القرن السادس قبل الميلاد لتمكين المنبر من حماية مصالح المانداموس للعامة- المواطنين العاديين- من تعديات الأرستقراطيين، الذين سيطروا على مجلس الشيوخ.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت فكرة حق النقض أكثر رسمية في العالم الحديث، واعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حق النقض (الفيتو) أثناء تشكيله، ومنحه لأعضائه الخمسة الدائمين- الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- واستخدام حق النقض مرة واحدة من قِبَل عضو دائم من شأنه أن يوقف تمرير أي قرار.
وتم توضيح حق النقض الحالى في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إعلان سان فرانسيسكو، الذي انضمت إليه فرنسا لاحقًا أيضًا، ويقول البيان إن حق النقض لا يمكن استخدامه لمنع المجلس من النظر في موضوع ما على الإطلاق، لكنه فسر إمكانية تطبيقه على نطاق واسع، بما في ذلك إمكانية ممارسة حق النقض في مسألة ما إذا كانت القضية إجرائية أم غير إجرائية.
وكان الهدف الرئيسى للأمم المتحدة عند تأسيسها هو التأكد من أن القوى العظمى الخمس ستواصل العمل مع الأمم المتحدة من أجل تجنب الافتقار إلى العالمية، والذى أدى إلى تقليص القوة السياسية لعصبة الأمم.
بالأرقام تاريخ الفيتو الأمريكى
لصالح دولة الاحتلال
26 يوليو 1973، تم الاعتراض على مشروع قرار تقدمت به (الهند وإندونيسيا وبنما وبيرو والسودان ويوغسلافيا وغينيا)، يؤكد حق الفلسطينيين، ويطالب بالانسحاب من الأراضى العربية التي احتلتها.
25 يناير 1976، منع قرار تقدمت به (باكستان وبنما وتنزانيا ورومانيا)، ينص على حق الشعب الفلسطينى في ممارسة حق تقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة منذ يونيو 1967، ويدين إقامة المستوطنات اليهودية في الأراضى المحتلة.
25 مارس 1976، ضد قرار تقدمت به مجموعة من دول العالم الثالث يطلب من إسرائيل الامتناع عن أي أعمال ضد السكان العرب في الأراضى المحتلة.
29 يونيو 1976، ضد قرار تقدمت به (غويانا وباكستان وبنما وتنزانيا)، يؤكد حق الشعب الفلسطينى في تقرير المصير والعودة إلى وطنه وحقه في الاستقلال والسيادة.
30 إبريل 1980، ضد مشروع قرار تقدمت به تونس ينص على ممارسة الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة.
كيف استخدمت واشنطن حق «الفيتو» لحماية دولة الاحتلال؟
منذ عام 1945، تم استخدام حق النقض ضد 36 مشروع قرار لمجلس الأمن تتعلق بإسرائيل وفلسطين من قِبَل أحد الأعضاء الخمسة الدائمين- الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا.
ومن بين هذه القرارات، اعترضت الولايات المتحدة على 34 قرارًا، بينما اعترضت روسيا والصين على 2 منها، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارات ضد إسرائيل، 46 مرة، بما في ذلك الغزو الإسرائيلى لجنوب لبنان وكذلك ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلى. وكان مشروع القرار لعام 1972- المرة الوحيدة التي لم تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض- مقتضبًا وشاملًا- حيث دعا جميع الأطراف إلى الوقف الفورى لكل العمليات العسكرية وممارسة أكبر قدر من ضبط النفس لصالح السلام والأمن الدوليين.
وبعد مسيرة العودة الكبرى، في عام 2018، صاغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا يدين «استخدام القوات الإسرائيلية لأى قوة مفرطة وغير متناسبة وعشوائية ضد المدنيين الفلسطينيين»، ويدعو إلى «سلام دائم وشامل» مع «دولتين ديمقراطيتين، إسرائيل وفلسطين».
واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد القرار، وبعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017، قال مشروع قرار إن «الإجراءات التي تزعم أنها غيرت طابع مدينة القدس المقدسة أو وضعها أو تكوينها الديموغرافى ليس لها أي أثر قانونى، وهى لاغية وباطلة». وطالبت بتحديد وضع القدس بما يتماشى مع لوائح الأمم المتحدة. وصوت جميع أعضاء مجلس الأمن الـ15 لصالح القرار باستثناء الولايات المتحدة، التي استخدمت حق النقض (الفيتو)، في أعقاب الانتفاضة الثانية التي بدأت في عام 2000، وأعرب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن «القلق البالغ إزاء استمرار الأحداث المأساوية والعنيفة التي وقعت منذ سبتمبر 2000»، وأدان الهجمات ضد المدنيين، ودعا إسرائيل «إلى الالتزام بدقة بقراراتها» والالتزامات والمسؤوليات القانونية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وصوتت 12 دولة لصالح القرار، لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو).
القانون الدولى يوضح طرق استخدام الفيتو
عقب الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى العام، على استخدام الولايات المتحدة للفيتو ضد مشروع قرار لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
وقال «مهران» لـ«المصرى اليوم»، إن استخدام الفيتو في هذه الحالة يشكل انتهاكًا صريحًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى، إذ إن عضوية مجلس الأمن تفرض على الدول الخمس الكبرى التصرف وفقًا لمقاصد ومبادئ الميثاق. وتابع: «تنص المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة على أن لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوتا واحدا، ويجب أن تمارس الدول الخمس دائمة العضوية هذا الحق وفقًا لمبادئ ومقاصد الميثاق، هذا بالإضافة إلى أن المادة 2/4 من الميثاق تحظر تهديد السلم والأمن الدوليين أو استخدام القوة ضد سلامة الدول، مؤكدًا أن الفيتو هنا يتنافى مع هذه المواد». وأضاف أن الفيتو الأمريكى في هذه الحالة تسبب بشكل مباشر في إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطينى في الحالتين، ويمثل مشاركة في الإبادة الجماعية. وأكد أن استمرار شلل مجلس الأمن بهذا الشكل يعنى انهيار النظام الدولى وفقدان الثقة في قدرته على حماية السلم والأمن الدوليين، مشيرا إلى أنه بذلك يتخلى مجلس الأمن عن مسؤولياته الأساسية تجاه المدنيين العزل في أماكن النزاعات، مما يجعل وجوده غير ذى جدوى. ولفت إلى أن صمت مجلس الأمن وتواطؤه أمام المجازر والجرائم التي ترتكب بحق شعبنا الفلسطينى يمثل خذلانًا أخلاقيًا وإنسانيًا فادحًا، وأمام هذا الوضع، تتحمل الدول الأعضاء مسؤولية تاريخية في الدفاع عن مبادئ العدل والإنصاف من خلال آليات بديلة كالجمعية العامة والمحكمة الجنائية الدولية، مناشدًا بالتدخل واتخاذ قرارات عاجلة، فلا يمكن قبول هذا الوضع بتاتًا، حيث ينم عن تواطؤ كامل مع جرائم الاحتلال الإسرائيلى، ما يتطلب محاسبة أمريكا على دورها هذا أمام الرأى العام العالمى والمجتمع الدولى. وشدد على أن الولايات المتحدة تنتهك بتصرفها هذا التزاماتها تجاه حماية المدنيين في النزاعات المسلحة بموجب القانون الدولى الإنسانى واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، داعيا المجتمع الدولى للتدخل وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية رادعة على الكيان الصهيونى لحمله على احترام القانون الدولى والالتزام بقرارات الشرعية الدولية طالما أن مجلس الأمن فقد دوره.
وأوضح أنه تم منح حق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين عندما تم إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن في عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقال مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة، ريتشارد جوان، لشبكة CNN، إن منح هذه الدول القدرة على حماية نفسها من قرارات مجلس الأمن كان الطريقة الوحيدة التي تمكن الرئيس فرانكلين روزفلت من إقناعها بالانضمام إلى الأمم المتحدة.
تتمتع الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس- الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا- أيضًا بسلطة استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار، مما يحد ما يمكن للمجلس القيام به لإنهاء الصراعات التي تشمل عضوًا دائمًا أو حليفًا لعضو دائم. وتضم الجمعية العامة للأمم المتحدة ممثلين عن جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة، لكن قراراتها ليست ملزمة قانونًا، أما مجلس الأمن فهو مجموعة مكونة من 15 عضوًا داخل الأمم المتحدة مكلفة بالحفاظ على السلام الدولى، وقراراته ملزمة قانونًا. وتشمل صلاحيات المجلس القدرة على إخبار أعضاء الأمم المتحدة بفرض عقوبات على كيانات أو أفراد و«اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدى».
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.