بعد دخولها شهرها الرابع.. ما تداعيات الحرب على غزة وتأثيراتها على اقتصادات دول المنطقة؟
بعد دخول الحرب على غزة شهرها الرابع، اتسعت خلال تلك الفترة رقعة الصراع لتصل إلى الجنوب اللبنانى والبحر الأحمر، غير أنه كان من الطبيعى أن تزداد تكاليف الحرب وتتعمق تأثيراتها السلبية على المستوى الإقليمى مع وجود بعض الآثار التى تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمى، نتيجة حالة عدم الاستقرار التى شابت الملاحة فى البحر الأحمر وباب المندب، ما أسهم فى رفع تكلفة البضائع المنقولة بحرًا، بسبب تغيير مسارات النقل وزيادة زمن الرحلة.
وفى دراسة حديثة للأمم المتحدة، أشارت إلى أن التكلفة الاقتصادية للحرب فى غزة على الدول المجاورة، قد ترتفع إلى ما لا يقل عن 10.3 مليار دولار بما يعادل نحو 2.3% من الناتج المحلى، ويمكن أن تزيد إلى الضعفين إذا استمرت الحرب 6 أشهر أخرى.
وتقدر مؤسسة «ستاندرد آند بورز» أن قطاع السياحة فى مصر والأردن ولبنان أكثر القطاعات تضررًا من نشوب الحرب، فتذهب توقعاتها إلى انخفاض محتمل فى إيرادات السياحة فى مصر بنسبة تتراوح بين 10% و20%، بسبب إلغاء الحجوزات، بما يتوقع معه أن تتأثر الاحتياطيات النقدية بنسبة تتراوح بين 4% و10%، وأن يتراجع الناتج المحلى الإجمالى للبنان بنسبة 10%، ويلحق ذلك أضرارًا كبيرة بقطاع السياحة فى الأردن، وفق العديد من الخبراء.
قال الدكتور أحمد السيد، الخبير الاقتصادى، إن تأثيرات الحرب ظهرت أكبر بكثير مما كان متوقعًا بداية الأزمة، إذ كانت التوقعات تدور حول تكبد الاقتصاد الإسرائيلى نحو 18 مليار دولار، لكن الواقع الفعلى ومع استمرار الصراع فى غزة يشير إلى أن التقديرات كانت متحفظة بشكل كبير، حيث تبلغ الخسائر الأسبوعية للاقتصاد الإسرائيلى نحو 600 مليون دولار مع توقعات أن تتجاوز تكلفة الحرب الإجمالية نحو 58 مليار دولار، وفقًا لتقديرات المركزى الإسرائيلى، نتيجة توقف قطاعات السياحة، وتكاليف خروج ما يقرب من خُمس القوى العاملة للانضمام إلى الجيش، فضلًا عن تكلفة التسليح والذخيرة، والتى يتوقع أن تفاقم من عجز الموازنة الإسرئيلية إلى 3.7%، مقارنة بتوقع 1.1% قبل بداية الحرب، بالإضافة إلى أن هناك آثارًا تمتد لسنوات طويلة بعد الحرب، على سبيل المثال بلغ عدد المعاقين من الجنود نحو 4 آلاف جندى، وهو ما سيكلف الاقتصاد تكلفة مرتفعة لإعانتهم طوال عمرهم.
وأضاف «السيد»، لـ«المصرى اليوم »، أن تقارير وزارة المالية الإسرائيلية تشير إلى أن أكثر من 150 ألف عامل فلسطينى كانوا يدخلون من الضفة الغربية، للعمل فى وظائف البناء وغيرها؛ لم يعودوا قادرين على الدخول إلى المدن الإسرائيلية، ما أدى إلى شلل فى قطاع البناء والتشييد وجعل نحو 50% من مواقع البناء متوقفة تمامًا، كما دفعت الحرب أكثر من 100 ألف عامل أجنبى لمغادرة البلاد، الأمر الذى خلق فجوة كبيرة فى سوق العمل، غير أنه يؤثر على النمو الاقتصادى، حيث تبلغ الخسائر من نقص العمالة فقط نحو 3.6 مليار دولار، لافتًا إلى أن مصر من أكثر الدول تأثرًا بالعدوان على غزة من خلال محورين رئيسين هما «السياحة وقناة السويس»، وكان كل منهما قد سجل معدلات قياسية غير مسبوقة خلال 2023؛ إذ سجلت السياحة 14.5 مليون سائح لأول مرة فى تاريخها، وقناة السويس اقتربت من 10 مليارات دولار للمرة الأولى فى تاريخها.
وأشار «السيد» إلى أن التأثيرات لا تزال محدودة، لكن اتساع رقعة الصراع أو طول أمده، يساهم فى رفع تكلفة الحرب على الاقتصاد المصرى، فالنصف الأول من يناير الجارى شهد تراجعًا بنحو 40% فى إيرادات قناة السويس، مقارنة بالعام الماضى، وفقًا لتصريحات الهيئة، مردفًا: «من جانب آخر فإن توترات البحر الأحمر لا يقتصر تأثيرها على دخل قناة السويس فقط، لكن تمتد لتشمل أسعار البترول والطاقة، وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على الاقتصاد المصرى ويساعد فى تأجيج معدلات التضخم، ناهيك عن أن ارتفاع تكلفة الشحن والتفريغ والتأمين سيؤدى إلى معاودة الأسعار العالمية للسلع للارتفاع مرة أخرى، وهو ما سيصب بشكل أو بآخر فى زيادة فاتورة الاستيراد».
وأوضح الدكتور عاطف وليم أندراوس، الخبير الاقتصادى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى، أن أكثر الدول تعرضًا للأضرار الاقتصادية هى الدول المتاخمة لفلسطين، (مصر ولبنان والأردن)، إذ تتأثر الأردن ومصر بنقص العرض من الغاز الطبيعى، نتيجة توقف توريد الغاز الإسرائيلى بفعل إغلاق حقل تمار الإسرائيلى لجزء من الوقت.
وأضاف «أندراوس»، لـ«المصرى اليوم»: «الاقتصاد المصرى واحد من أكثر الاقتصادات الإقليمية تأثرًا بالحرب، فيما تزداد حدة هذه التأثيرات خصوصًا مع تزايد هجمات الحوثيين على السفن فى ممر البحر الأحمر، فنحو 15% من التجارة العالمية، و30% من حركة الحاويات، وما قيمته نحو تريليون دولار من البضائع تمر عبر قناة السويس، ومع تحول شركات الملاحة الكبرى مثل (ميرسك، هاباج لويد الألمانية، وسى إم إيه الفرنسية، وكوسكو الصينية، وغيرها) لحركتها من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح، انخفضت عوائد المرور عبر القناة بشكل ملموس إلى حد أن رئيس الهيئة أعلن انخفاض هذه العوائد بنسبة 40% فى بداية العام الجارى، مقارنة بالماضى، نتيجة هذه الهجمات، إذ تراجعت حركة عبور السفن بنحو 30% فى الفترة من أول يناير الجارى إلى 11 من نفس الشهر، وذلك على أساس سنوى، ومن المعروف أن دخل القناة خلال عام 2022/ 2023 بلغ أعلى مستوياته، حيث سجل نحو 9.4 مليار دولار بزيادة قدرها نحو 35% عن العام السابق، غير أنه يمثل نحو 2% من الناتج المحلى الإجمالى».
وعلى صعيد الاقتصاد الأردنى، أشار «أندراوس» إلى أن ميناء العقبة الذى يعد المنفذ الوحيد للأردن إلى العالم صار مهددًا بسبب جوانب الخطر التى تتعرض لها الملاحة فى البحر الأحمر، بفعل هجمات الحوثيين، حيث ارتفعت تكاليف الشحن والتأمين، الأمر الذى ترتب عليه تراجع فى عمليات الاستيراد والتصدير ورفع من الضغوط التضخمية ومن مستويات الأسعار، لافتًا إلى أن الاقتصاد الأردنى شهد إلغاء ما يقدر بنحو 50% من الحجوزات السياحية، بما يعنى تأثر إيرادات الدولة بذلك بشكل مباشر، كما أن قطاع السياحة يشكل نحو 15% من الناتج المحلى الإجمالى الأردنى، حيث تأثرت أعمال نحو 57 ألف أردنى يعملون به بشكل كلى أو جزئى بالحرب، وفقًا لتصريحات معلنة من وزير السياحة الأردنى، كما تأثرت العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى فى البلاد، نتيجة ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج بشكل أثر على عمليات الإنتاج والتصدير والاستيراد، فضلًا عن حركة الاستثمار؛ إذ نخفض معدل إنشاء المشروعات الجديدة ومشروعات التوسع فى المشروعات القائمة بشكل أثر بالسلب على النمو والتوظيف، فضلًا عن تأثر إمدادات الأردن من الغاز الطبيعى، حيث تعتبر إسرائيل من الموردين الأساسيين لها.
وعن الوضع فى لبنان، تابع «أندراوس»: «القطاع السياحى الذى يمثل عصب الاقتصاد اللبنانى الأكثر تأثرًا، إذ تشير التقديرات إلى تراجع يتراوح بين 70 و80% من عوائده، بشكل يعمق من حدة المشكلات العديدة التى يعانى منها الاقتصاد اللبنانى، يضاف إلى ذلك تأثر الاقتصاد اللبنانى بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بسبب احتمالات توسع الحرب فى الجنوب اللبنانى بين حزب الله وإسرائيل، بالإضافة إلى القطاع الزراعى فى المناطق الحدودية بجنوب لبنان والذى عانى من أضرار كبيرة بسبب القصف الإسرائيلى، حيث أدى استخدام إسرائيل المفرط القذائف الفوسفورية إلى زيادة تلوث المحاصيل ومصادر المياه بشكل بات يمثل تهديدًا لصحة الإنسان فى هذه المناطق، وقد أفادت التقارير بتأثر زراعات الزيتون والخروب والمحاصيل بشكل كبير، كما أفادت باحتراق نحو 47000 شجرة زيتون، إلى جانب الخسائر التى تحققت فى الماشية والدواجن وتربية الأحياء المائية».
أما على صعيد الاقتصاد الدولى، فأوضح «أندراوس» أن الحرب فى بدايتها لم تؤثر بشكل ملحوظ على الاقتصاد العالمى قياسًا بالمؤثرات الأخرى، كالحرب الروسية الأوكرانية التى كانت لها تداعيات إقليمية قياسًا لقوة تأثير الاقتصاد الروسى والاقتصاد الأوكرانى فى العديد من المجالات، وعلى رأسها الحبوب والطاقة، وربما تواجدت فى غضون ذلك تأثيرات، لكنها بسيطة للحرب فى غزة على قطاع الطاقة وإلى حد ما قطاع السياحة، فأسعار الغاز فى أوروبا ارتفعت بنحو ٣٠٪ قياسًا بالمستوى السائد قبل السابع من أكتوبر الماضى، فضلا عن تأثر أسعار النفط، منوهًا بتقرير حديث للبنك الدولى، والذى أكد أنه حال اتساع رقعة الحرب فى المنطقة؛ فمن المتوقع أن يصل سعر برميل النفط إلى 150 دولارًا، كما أن استمرار الحرب لأجل طويل يمكن أن يؤثر بالسلب على الأسعار العالمية للطاقة والغذاء.
وأضاف «أندراوس»: «مع استمرار الحرب واتساع رقعتها وانخراط بعض الأطراف الأخرى كإيران يمكن أن يؤثر ذلك على تدفقات النفط من منطقة الشرق الأوسط للدول الأخرى وعلى الأخص الدول الأوروبية، خصوصًا إذ قررت إيران إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة الدولية، وهو أمر لم يزل مستبعدًا فى هذه المرحلة، لكنه يجب أيضًا ألا يتم تجاهله على الإطلاق، وبالفعل حينما نشطت جماعة الحوثى فى اليمن وأتت بأعمال كان من شأنها التأثير على حركة الملاحة الدولية؛ دفع ذلك كلًا من الولايات المتحدة وبريطانيا لتنفيذ عدد من الغارات الجوية على معاقل الحوثيين فى اليمن، وهكذا نشأ أول تأثير قوى لحرب غزة وتوابعها على الاقتصاد العالمى ممثلًا فى الآثار السلبية على حركة الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، وتحول مسار جزء كبير من حركة الملاحة من البحر الأحمر عبر قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح».
ولفت إلى أن التحول الكبير فى حركة الشحن الدولية من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح، أدى إلى رفع كبير من تكلفة الشحن والتأمين على البضائع، كما أن الزيادة فى المسافة نتيجة للتحول إلى رأس الرجاء الصالح قد تصل إلى نحو 16000 كيلومتر، وتشير التقديرات إلى ارتفاع تكلفة الشحن البحرى بين آسيا وأوروبا والأمريكتين بنسبة 173% منذ نوفمبر الماضى، إذ أصبح السعر الفورى لشحن البضاعة فى «حاوية 40 قدمًا» يتجاوز 4 آلاف دولار بعد أن كان نحو 1900 دولار، ونتيجة لارتفاع مخاطر العبور فى البحر الأحمر ارتفعت تكاليف التأمين بنسبة تتراوح بين 200% و250%، وتابع: «ارتفعت أيضًا أجور البحارة فى السفن بنحو 100%، وقد أدت الزيادة فى زمن ومسافة رحلات النقل البحرى إلى خلق اضطرابات وتشوهات فى سلاسل الإمداد الدولية».
وأكد أن الزيادات فى تكاليف الشحن والتأمين والوقود والأجور والتشوه فى سلاسل الإمداد، أفرزت زيادة كبيرة فى التكاليف تم تحميلها على أسعار السلع، ومع ارتفاع التكاليف على النحو الموضح سلفًا، أصبح من المتوقع ارتفاع تكلفة السلع ومن ثم أسعارها بشكل يؤثر على معدلات التضخم العالمية فى الوقت الذى كان العالم يعول فيه كثيرًا على انخفاضها مع انخفاض الأسعار العالمية للغذاء، مشيرًا إلى أنه إذا استمر الوضع الراهن، فمن المتوقع أن تزيد معدلات التضخم العالمية بشكل يؤدى إلى تأثر الدول النامية بالتضخم المستورد فى شكل ارتفاع أسعار السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج والسلع الرأسمالية.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.