د. محمد مصطفى الخياط يكتب: الربط التاريخى التخيلى بين وقائع حياة الشيخ أحمد بن حسن المرسى
حسنًا فعلت ريم بسيونى بإصدارها رواية «ماريو وأبوالعباس» فى جزء واحد.. كانت ريم قد أصدرت عدة ثلاثيات خلال السنوات القليلة الماضية باستثناء رواية «سبيل الغارق»، «أولاد الناس.. ثلاثية المماليك»، «القطائع.. ثلاثية ابن طولون»، التى تميز بناؤها الروائى وحبكة رسم شخصياتها مقارنة بثلاثية «الحلوانى».
كذلك نجحت ريم فى الربط التاريخى التخيلى بين وقائع حياة الشيخ أحمد بن حسن المرسى، الشهير بأبى العباس المرسى (1219- 1281)، ومصمم مسجده بالإسكندرية، المهندس الإيطالى ماريو روسى (1897- 1961). جاء الحكى فى شكل حلقات متعاقبة ضمن سلسلة طويلة من الحلقات، شخصية تحكى لأخرى، أو بالأحرى تسلمها حكاية من وراء حكاية، وصولاً إلى لحظة الميلاد الأكبر للشيخ الصوفى المرسى أبوالعباس، بتحقق الفناء الأكبر، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
ولعلنا نتعجب من براعة مصمم معمارى إيطالى قضى حياته فى دراسة فنون العمارة الرومانية وتصميم الكنائس والبازيليكات لتطوير وخدمة العمارة الإسلامية بعد قدومه إلى مصر ضمن من استقدمهم الملك فؤاد الأول (1868- 1936)، من المهندسين الأوروبيين للعمل فى وزارة الأشغال (الأوقاف) والقصور الملكية.
لم يكن ماريو الأجنبى الوحيد الذى كان يعمل بوزارة الأشغال (الأوقاف) آنذاك، فهناك ماكس هيرتز باشا، المجرى المتخصص فى الآثار الإسلامية، إلى جانب معماريين آخرين بوزن الفرنسى مارسيل دورجنون مصمم متحف الآثار المصرية بميدان التحرير، والإيطالى جوزيبى ماتسا، ومن أبرز أعماله مبنى صيدناوى بشارع قصر النيل، والفرنسى آلكسندر مارسيل وأهم أعماله قصر البارون إمبان وكاتدرائية البازيليك بمصر الجديدة.
فضلاً عن مسجد المرسى أبوالعباس، صمم ماريو أيضًا العديد من المساجد، منها مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، وعمر مكرم بالقاهرة، بالإضافة إلى القصور والفيلات.
عمل ماريو فى وظيفة كبير مهندسين بوزارة الأوقاف قبل الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها وإفراج القوات الإنجليزية عنه، كونه إيطاليًا، عينه الملك فاروق فى وظيفة مستشار.
بانفتاحها على الثقافات العالمية تحولت القاهرة إلى مغناطيس يجذب المتميزين من شتى بقاع الأرض، ليندمج علمهم وثقافتهم مع البيئة المصرية، تمامًا كما رأى فيها أحمد ابن طولون (835- 884) ذلك، فأسس مدينة القطائع لتكون البوتقة والمُصهر لكافة ثقافات العالم، وأوكل مهمة تصميم وتأسيس مسجد باسمه إلى سعيد الفرغانى الذى زخرف شرفات المسجد على شكل عرائس متعانقة تتطلع برؤوسها نحو السماء مع مئذنة حلزونية.
ومن قبل، كانت ريم قد سطرت فى ثلاثية المماليك قصة بناء مسجد السلطان حسن، ولد شادِ العمائر (المهندس) محمد محمد المحسنى لأمير مملوكى تزوج من مصرية، وذلك على غير عادة المماليك فى الزواج من المصريات. وقد حاول أبوه تعليمه الفروسية، إلا أن ولعه بالرسم وتخطيط العمائر كان أكبر، ثم حدث أن قُتل أبوه فتولى السلطان الناصر محمد بن قلاوون رعايته، ليتربى مع أولاده وفيهم ابنه الحسن، ومن هنا ولدت فكرة مسجد السلطان حسن، ليجسد إبداع محمد بالعمارة وهوس الحسن بالخلود.
لم تكن مجرد عمائر يقيمها المهندسون فى أرجاء المحروسة لأداء المناسك والصلوات.. كانت رمزًا للخلود فى مواجهة الزمن وتقلباته شارك فيها المصريون، مسلمون وأقباط، محمد المحسنى وسعيد الفرغانى، وكذلك الأجانب على يد ماريو ورفاقه، ليرسموا بفنونهم جميعًا وجه المحروسة البهى. حفظ الله الوطن.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.