د. منال رضوان تكتب: «العلاقات بين الكنيستين القبطية والروسية».. لإسحاق عجبان
يتزامن عرض ذلك الكتاب وعدة أحداث وذكريات تهم أبناء البلدين؛ فبينما يختتم المهرجان العالمى للشباب والمقامة فعالياته فى روسيا هذا الأسبوع، تحل عقب أيام قليلة طقوس بدء صوم القيامة، والذى يتزامن أيضًا وبدء شعائر صوم رمضان المبارك لأبناء الشعبين من المسلمين، ولما كانت العلاقات بين البلدين تأخذ ذلك التقارب على المستويين: الرسمى والشعبى منذ عقود؛ فيطيب لنا أن نتناول بنزر يسير عرض وتحليل ذلك الكتاب المهم وهو: «العلاقات بين الكنيستين القبطية والروسية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين»، للأستاذ الدكتور إسحاق إبراهيم عجبان عميد معهد الدراسات القبطية والمحاضر فى العديد من المحافل الأكاديمية، ويعنى د. إسحاق بتدريس تاريخ الكنيسة القبطية تأصيلًا وجذورًا كجزء غاية فى الأهمية من تاريخ الشخصية المصرية فى سبيل المساعدة على ترسيخ الهوية المصرية، ويعد كتاب العلاقات بين الكنيستين القبطية (المصرية) والروسية حلقة مهمة من حلقات المشروع البحثى له، والذى يرصد فيه حقبة تاريخية مهمة، لم تبدأ فقط بوصول مارمرقس كاروز الديار المصرية إلى الإسكندرية فيما بين عامى ٥٨: ٦١ وفق الآراء التى غلبت ترجيح هذا التاريخ، وجلوس أول بابا فى تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على كرسيه سبع سنوات وثمانية أشهر (ينظر إيريس حبيب المصرى وآخرين)، بل امتد المشروع البحثى لعجبان إلى التأريخ والتوثيق، لزيارة العائلة المقدسة إلى مصر؛ وقدم فى ذلك الدراسات والأبحاث المهمة.
لكن على جانب آخر، تكمن أهمية الكتاب موضوع مقال اليوم، فى عدة أسباب، لعل أولها: أن من قدم له قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رقم ١١٨ فى تاريخ باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد كتب قداسة البابا تواضروس كلماته شديدة الاحتفاء بهذا المجهود البحثى للمؤلف، مانحًا القارئ نبذة مبسطة عن تاريخ العلاقات الوثيقة فيما بين الكنيستين مشيدًا بدور الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، معتبرًا إياها أحد أعمدة الإيمان المسيحى فى المسكونة، منذ ولادتها فى القرن العاشر الميلادى.
وأعقب تقديم قداسة البابا للكتاب، مقدمة موجزة لعميد معهد الدراسات القبطية آنذاك الأستاذ الدكتور سامى صبرى شاكر.
ثم تناول الكتاب المكون من ثمانية فصول والمزود بعشرات الصور الملونة والمتفرع إلى عدة محاور؛ هذه العلاقة الوثيقة فيما بين الكنيستين؛ حيث بدأ الفصل الأول فيها: بالتعريف بقداسة البابا تواضروس الثانى وقداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا، وقد عقد الكاتب مقارناته فى شكل جداول؛ لتيسير المعلومات على القراء، فبينما كان تاريخ تأسيس الكنيسة القبطية فى المنتصف من القرن الميلادى الأول، وعدد باباواتها ١١٨ واشتملت على ٩٠ إيبارشية، وعدد الأديرة حوالى ٤٠ ديرًا، والانتماء الخاص بها والذى يعد انتماء أصيلا إلى الكنائس الأرثوذكسية اللاخلقيدونية، وهى التى لم تعترف بقرارات مجمع خلقيدونية والذى انعقد للتأكيد على قرارات مجمع أفسس المسكونى ضد نسطوريوس وأوطاخى، (للمزيد ينظر الهرطقة فى المسيحية ج. ويلتر، المسيحية والتاريخ ابدياكون د. اسكندر القمص لوقا) بينما كان عدد بطاركة الكنيسة الروسية التى تأسست فى القرن العاشر الميلادى ١٦، وبلغ عدد الإيبارشيات حوالى ١٦٠ إبيارشية بداخل روسيا وخارجها، وبلغ عدد أديرتها حوالى ٨٠٠ دير، تنتمى عقائديا إلى الكنيسة الأرثوذكسية (الخلقيدونية) ويترأسها البطريرك كيريل منذ عام ٢٠٠٩م.
وقبل الانتقال إلى الفصل الثانى يقدم الكاتب (بروفايل) مصحوبًا بالصور لكل من قداسة البابا تواضروس الثانى، والذى يحمل معلومات قيمة عن قصة حياة الدكتور«وجيه صبحى باقى»المولود فى ٤ من نوفمبر ١٩٥٢، والذى تخرج فى كلية الصيدلية جامعة الإسكندرية عام ١٩٧٥ بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وعمل فى مصنع الأدوية بدمنهور قبل انخراطه فى سلك الرهبنة.
ومن المعلومات الطريفة التى ذكرها الكتاب أن الصيدلانى وجيه صبحى قدم استقالته من عمله عقب قضاء عشر سنوات وعشرة شهور وعشرة أيام، فى إشارة إلى العدد (عشرة)، والذى يعد رمزًا للكمال وفق المفهوم المسيحى، ليبدأ خدمة روحية تختتم بجلوسه على كرسى كاروز الديار المصرية، ثم يقدم الكتاب الـ(بروفايل) المماثل لقداسة البطريرك كيريل المولود فى عام ١٩٤٦م بسان بطرسبرج واسمه بالميلاد «فلاديمير ميخالوفيتش جونديايف»، وقد رسم راهبًا فى عام ١٩٦٩ عقب إتمامه مرحلة التعليم العالى فى مجال التكنولوجيا ثم تدرج فى الرتب الكهنوتية حتى جلوسه على كرسى البطريركية فى ١ من فبراير ٢٠٠٩م.
يبدأ الفصل الثانى متناولًا المطران الروسى «بورفيرى أوسبنسكى» (١٨٠٤ – ١٨٨٥) والبعثة الكنسية بالقدس، وقد عرف الكتاب نيافة المطران أوسبنسكى تعريفًا وافيًا ذاكرًا زياراته لمصر وسيناء وبلاد المشرق، ومؤلفاته عن الأقباط وكنائسهم منها: اعتقادات مسيحيى مصرالأقباط وعبادتهم ورئاستهم الروحية وقوانين حياتهم الدينية، بسان بطرسبرج١٨٥٦، رحلة عبر مصر، دير القديس الأنبا أنطونيوس، ودير القديس أنبا بولا ١٨٥٠.
وغيرها من مؤلفات، ثم ينتقل الكتاب فى سلاسة واضحة إلى فصله الثالث، والذى يتناول كتابات الآباء من النساك الروس، مثال الأب سيرافيم ساروفسكى، والأسقف إغناطيوس بريادنتشانينوف مؤلف كتاب صلاة يسوع، كما يعرض المؤلف الكتاب الأشهر (سائح روسى فى دروب الرب)، الذى ترجمه أحد النساك غير المعروفين،ويتضح من خلال ذلك الفصل مدى التقارب الروحى فى حياة الآباء النساك فى الكنيسة الروسية ومدى الاقتراب بينها وبين الآباء الرهبان فى الكنيسة القبطية، منذ القدم وحتى الآن، ولعل فى سيرة الراهب لعازر الأنطونى المتوحد خير مثال، وهو الذى كان أستاذًا للإلحاد فى روسيا قبل سنوات ثم جاء إلى مصر مهد الرهبنة فى العالم، وسيم راهبا باسم الراهب لعازر الأنطونى.
وننتقل إلى الفصل الرابع وقد خصص للزيارات والرسائل المتبادلة بين قيادات الكنيستين القبطية والروسية، والذى ذكر معلومات وافية عن طبيعة تلك العلاقة بين الكنيستين، كقيام الكنيسة القبطية بصلاة الجنازة على روح القيصر الروسى ألكسندر الثالث، كذلك زيارة مطران ليننجراد للبابا يوساب الثانى، ومن أهم المحاور البحثية فى هذا الكتاب هو تناوله الرسائل والزيارات إلى قداسة البابا كيرلس السادس والذى تحل عقب أيام قليلة ذكرى انتقاله وتحديدًا فى التاسع من مارس، والبابا كيرلس السادس والمولود باسم عازر يوسف عطا فى ٨ من أغسطس عام ١٩٠٢ وسيم راهبا باسم مينا البراموسى فى ٢٤ من فبراير ١٩٢٨ ثم رسم قسا بالاسم ذاته قبل توحده، ثم رئاسته لدير الأنبا صموئيل المعترف، وإجراء القرعة الهيكلية التى منحته كرسى البابوية فى عام ١٩٥٩ ليحتل مكانة كبيرة فى نفوس أبناء شعبه من الأقباط الأرثوذكس، بل وسائر أبناء مصر والذين لقبوه برجل الصلاة، وكان لقداسة البابا كيرلس علاقات وثيقة، شديدة الألفة بالزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر، كذلك ربطته أواصر المحبة بالإمبراطور الحبشى هيلاسلاسى، وقد قام بزيارته البطريرك الروسى أليكسى الأول (١٩٤٥ – ١٩٧٠) بالمقر البابوى يوم ٢٥ من نوفمبر ١٩٦٠، كما أهدى غبطته للبابا كيرلس شعار الكنيسة الروسية وأيقونة للسيدة مريم العذراء، كما يذكر الكتاب زيارة رئيس الأساقفة فلاديمير من الكنيسة الروسية ناقلًا للبابا كيرلس تحيات أليكسى الأول تأكيدًا على وشائج المحبة بين الكنيستين المصرية والروسية.
وكما تحل ذكرى انتقال البابا كيرلس السادس فى شهر مارس؛ فإن ذكرى انتقال قداسة الأنبا شنودة الثالث فى الشهر ذاته وتحديدًا فى السابع عشر من مارس، ويرتبط البابا شنودة الثالث بعلاقات وثيقة الصلة بالكنيسة الروسية والتى شاركت فى حفل تنصيبه فى ١٤ من نوفمبر ١٩٧١؛ إذ أوفد البطريرك الروسى بيمين (١٩٧١ – ١٩٩٠) وفدًا كنسيًا رفيع المستوى للتهنئة وترأس الوفد المطران أوريخوف جيرموجين ( ١٩٢٩ – ١٩٨٠) أسقف فلينيوى وليتوانيا آنذاك.
كما قام البابا شنودة الثالث بزيارته الأولى إلى الكنيسة الروسية بتاريخ ٣ من أكتوبر ١٩٧٢م وامتدت الزيارة لستة أيام، وقد رافق البابا وفدا كنسيا ضم بعض الأباء المطارنة والأساقفة وأرشدياكون ( رئيس الشمامسة) د. يوسف منصور والكاتب الصحفى جرجس حلمى عازر، كذلك كانت هناك زيارة ثانية للبابا شنودة للمشاركة فى الاحتفال بمرور ألف سنة على اعتماد المسيحية ديانة رسمية فى روسيا، كما زار البطريرك ألكسى الثانى الكنيسة القبطية وحضر الاجتماع الأسبوعى الذى كان يعقده البابا شنودة واستقبله أبناء الشعب القبطى استقبالًا حافلًا ودودًا.
وعقب وفاة البطريرك ألكسى نعته الكنيسة المصرية وشاركت فى مراسم التجنيز، وتتوالى فصول الكتاب لتبرز خصائص التعاون الروسى المصرى فى مجالات الحوار اللاهوتى والعقائدى والدراسات القبطية وقد أفرد الكاتب الفصل الخامس لهذه المحاور، موضحًا دور العلماء والمستشرقين الروس فى مجال الدراسات القبطية، ذاكرًا- على سبيل المثال- فلاديمير جيورجيفيتش بوك ويعد أول باحث روسى يدرس القبطيات ويرتبط اسمه بميلاد علم القبطيات الروسى (Russian Coptology) كما يعد من أوائل الذين ساهموا فى تجميع مجموعة متحف أرميتاج القبطية والنشر عنها.كما يخصص الكتاب الفصل السادس، لتناول تاريخ الكنيسة الروسية بمصر وخدمة الكنيسة القبطية بروسيا، بينما جاء الفصل السابع موضحًا الاهتمام العميق والمتبادل فيما بين روسيا ومصر على المستوى الكنسى والمستوى الإنسانى كذلك، ويختتم الكاتب فصول كتابه بالعلاقات الكنسية الروسية بكنيسة الإسكندرية لطائفة الروم الأرثوذكس وبدير سانت كاترين ليقدم سجلًا حافلًا من علاقات قائمة على التفاهم والمودة.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.