ذاكرة الكتب: فى شهر الانتصارات.. يوميات حرب العاشر من رمضان كما رواها قادة النصر
لقد كانت حرب أكتوبر حدثًا فريدًا بلا شك، بل نقطة تحول فى مسار الصراع العربى الإسرائيلى، فقد تعرضت إسرائيل كدولة لمفاجأة استراتيجية كاملة أفقدت الإسرائيليين ثقتهم فى جيشهم وفى جهاز مخابراتهم، الذى كان يدعى أنه أقدر جهاز مخابرات فى العالم خبرة بشؤون الشرق الأوسط. كما تعرضت القوات الإسرائيلية على جبهتى سيناء والجولان لمفاجأة تكتيكية أفقدت أفرادها توازنهم، وأجبرتهم على الانسحاب من مواقعهم الأمامية.
وكان الأمر الذى أدهش العالم هو نجاح مصر وسوريا فى تحقيق المفاجأة على المستويين الاستراتيجى والتكتيكى. وبعد الانتصار الباهر الذى أحرزته قواتنا المسلحة فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة، كانت هناك العديد من الكتب التى صدرت تؤرخ وترصد تفاصيل ما حدث، وكان أهمها كتاب المعارك الحربية على الجبهة المصرية، للواء جمال حماد، وهو أحد الضباط الأحرار.
يسجل هذا الكتاب الملحمة الحربية الفذة تسجيلًا أمينًا بعيدًا عن التحيز والمبالغة، وكذلك التحليل الفنى لجميع أحداث ومواقف حرب 1973، بكل صراحة وصدق. مهتمًا بإبراز نقاط الضعف والأخطاء التى ارتكبت نفس الاهتمام بنقاط القوة والتفوق التى ظهرت، إذ إن إبراز كلتا الناحيتين هو الوسيلة الصحيحة للاستفادة من دروس الحرب وتجاربها دون زيف أو خداع.
ناقش اللواء أركان حرب جمال حماد مع قادة حرب أكتوبر من مختلف المستويات قراراتهم التى اتخذوها أثناء سير القتال على خرائط العمليات، وهو ما مكنه فى نهاية المطاف من تقديم شرح تحليلى لمعارك ووقائع وأحداث ومواقف حرب أكتوبر على جميع ساحات القتال، مزودة بالخرائط و«الكروكيات» اللازمة ليتمكن القراء من تتبع الشرح.
ينقسم الكتاب إلى 14 فصلًا وسبعة ملاحق، وكلها محلاة بالصور النادرة لقادة الحرب والأسلحة التى استخدمت فيها من الجانبين وبعض المواقف المهمة التى أمكن تسجيلها خلال القتال.
ويوضح جمال حماد، فى كتابه، أن اقتحام قناة السويس، أصعب مانع مائى فى العالم خلال ساعات معدودة، على مواجهة حوالى 160 كيلو مترا لم يكن يسيرا، حيث قامت خمس فرق مشاة تتكون من حوالى 80 ألف جندى بكامل معداتهم وأسلحتهم ومركباتهم فى 12 موجة متتالية، مستخدمين المعابر والتجهيزات التى أعدها المهندسون لهم بعبور القناة، لتعزيز مواقعهم على الشاطئ الشرقى لها فور وصولهم.
ويتابع «حماد»: كان الذين هيأوا للقوات المصرية فرصة إحراز ذلك النصر العظيم هم ضباط وجنود 35 كتيبة ومهندسون من مختلف التخصصات قاموا بعمل خارق كان أشبه بالمعجزات، وقد ثبت أن موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر، فى إحدى المناقشات التى دارت فى رئاسة الأركان الإسرائيلية حول احتمالات عبور المصريين للقناة، قال فى صلف وغرور: «لكى يعبر المصريون قناة السويس، فإنه يلزمهم سلاح المهندسين الأمريكى وسلاح المهندسين السوفيتى مجتمعين لمساعدتهم فى ذلك».
كما ذكر اللواء جمال على، مدير سلاح المهندسين، خلال حرب أكتوبر، أن كبير الخبراء السوفييت قال له ذات مرة قبل رحيل الخبراء السوفييت عن مصر، وهما يتطلعان معا إلى الساتر الترابى هائل الحجم على الشاطئ الشرقى للقناة: «إنكم تحتاجون إلى قنبلة ذرية لفتح ثغرة فى هذا الساتر»، ولكن العقل المصرى وما يتميز به من القدرة على الابتكار والإبداع أمكن له القيام بجميع التحضيرات والإنجازات المطلوبة والتغلب على جميع المصاعب والمشكلات.
وقد قام اللواء جمال على، مدير سلاح المهندسين وأفراد سلاحه، بالعمل على حل هذه المشكلات، إلى أن تم لهم بالشجاعة والمثابرة والصبر التغلب عليها جميعا وقد ظل المهندسون العسكريون المصريون أكثر من خمس سنوات يبذلون جهودهم الجبارة ومحاولاتهم المتواصلة لإيجاد الحلول السليمة لمشكلات العبور الصعبة، وقبل حلول 6 أكتوبر 1973 كانت جميع المشكلات قد حلت، وجميع المصاعب قد ذللت.
ويسرد اللواء جمال حماد التفاصيل الدقيقة لسير المعارك الحربية المرتبطة بمحاولات العبور الإسرائيلى للضفة الغربية للقناة، والمقاومة المصرية الشرسة، ويعرض لأعمال القتال التى دارت فى هذا السياق، سواء غرب أو شرق القناة.
وخصص «حماد» الفصل العاشر من الكتاب للحديث عن إجراءات القوات المصرية لحصار وتصفية الجيش الإسرائيلى غرب القناة، والذى تمثل فى وضع الخطة الهجومية المصرية المعروفة بالاسم الكودى «شامل»، التى كان تنفيذها كفيلًا بسحق القوات الإسرائيلية التى عبرت قناة السويس فى الاتجاه الغربى.
ويذكر اللواء حماد مجموعة من الأرقام المهمة عن هذه المرحلة، فيقول إنه «تم خلال هذه الفترة حوالى 1500 اشتباك بالنيران، اشتملت على حوالى 439 عملية تم الإعلان عنها، وأسفرت هذه الاشتباكات عن إلحاق الخسائر الآتية بالقوات الإسرائيلية وفقا للبلاغات الرسمية: تدمير 11 طائرة و41 دبابة وعربة مدرعة و10 رشاشات ثقيلة، وتدمير 36 بلدوزر ومعدة هندسية وعربة ركوب، وإصابة ناقلة البترول الإسرائيلية «سيرينا» بعطب جسيم، وإغراق قارب إنزال بحرى، وقتل 187 فردا إسرائيليا وإصابة مئات من الجرحى».
كما يذكر أنه فى يوم 24 ديسمبر 1973 عرض القائد العام الخطة «شامل» فى صورتها النهائية على الرئيس الراحل السادات باستراحة القناطر الخيرية، بحضور رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة واللواء سعد مأمون، وأقر الرئيس الخطة، وأصدر توجيهاته بأن تكون جاهزة للتنفيذ فى أى وقت اعتبارًا من نفس اليوم (24 ديسمبر).
وينهى حماد الفصل الأخير من كتابه المهم بأنه «لم يكتب للخطة (شامل) التنفيذ العملى، ففى الساعة التاسعة من مساء يوم 17 يناير 1974 بتوقيت القاهرة، أذيع اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل تحت إشراف الأمم المتحدة، ووضعت هذه الاتفاقية موضع التنفيذ اعتبارا من الساعة الثانية عشرة يوم 25 يناير، وبدأت إسرائيل فى سحب قواتها من المناطق المتفق عليها، وسارت أعمال فصل القوات وفقا للاتفاق وبانتهاء الصراع السياسى فى هذه المرحلة، صدرت أوامر القيادة السياسية بتجميد الخطة شامل».
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.