ذاكرة الكتب.. «مولد الرسول».. كتاب يتناول بشارات مكة وما حولها
ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وثناء.. هذه الأيام أشرف ذكرى.. ذكرى شهر رمضان والحديث عن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.. التى لو كتب فيها بمداد البحر ما استطاعت أن توفيه قدره وفضله.. ونستعين بمناسبة هذه الذكرى العطرة بكتاب للكاتب الراحل عبدالحميد جودة السحار سماه «مولد الرسول» من سلسلة كتبها «محمد والذين معه».. يروى فيه ما حدث يوم ميلاد الرسول والبشارات التى ظهرت فى مكة وما حولها ساعة مولده.
يقول «السحار» عن يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم: كان التضارب فى الروايات هو سمة الإخباريين المسلمين الذين دونوا تاريخ مولد الرسول كما كانت الصفة الغالبة لرواياتهم على الدوام. فعن ابن إسحاق لم يلبث عبدالله بن عبدالمطلب أن توفى وأم رسول الله حامل به، وقيل إن موت والده كان بعد أن تم لها من حملها شهران، وقيل قبل ولادته بشهرين، وقيل كان فى المهد حين توفى أبوه ابن شهرين، وقيل كان ابن تسعة أشهر. ولما كانت عادة العرب أن يدفعوا مواليدهم إلى المراضع فى اليوم الثامن من مولدهم، ولما كانت المراضع قد أبته ليتمه، فقد اعتمدت الرأى القائل بأن أباه مات قبل ولادته بشهرين. وقد تضاربت أقوالهم فى السنة التى هاجم فيها أصحاب الفيل مكة، قيل فى السنة التى ولد فيها الرسول، وقيل قبل مولده بخمس وعشرين سنة، وقيل بخمس عشرة سنة، ولما كان الرسول وقد ولد فى سنة ٥٧٠ من مولد المسيح، ولما كان أبرهة قد عاد إلى اليمن بعد أن أصيب جيشه بالجدرى أثناء حصار مكة فى نفس السنة، فقد أخذت بالرأى القائل بأن رسول الله قد ولد فى عام الفيل.
وقد كتب الإخباريون الإسلاميون تاريخ مولد الرسول بعد أن انتشر الإسلام وآمنوا بالدين الذى جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، فكتبوا تاريخ هذه الحقبة بأقلام مفتونة بعظمة ذلك الوليد الذى أخرجهم من الظلمات إلى النور، فأكثروا من ذكر البشارات والإرهاصات بمولده، وبالغوا فى بعضها حتى بدا كأن الغيب قد أصبح فى تلك الفترة من الزمن كتابا مفتوحا، فقد قيل فى رواية عن أمه إنها قالت: لما خرج من بطنى نظرت إليه فإذا هو ساجد قد رفع أصبعيه كالمتضرع المبتهل، وروى أنه قبض قبضة من تراب وأهوى ساجدا فبلغ ذلك رجلا من بنى لهب فقال لصاحبه: لئن صدق هذا الفأل ليغلبن هذا المولود أهل الأرض. وروى ابن سعد فى طبقاته الكبرى أن رسول الله قال: رأت أمى حين وضعتنى سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى. وروى السهيلى عن الواقدى أنه مع الله لما ولد تكلم فقال: جلال ربى الرفيع. وعن كعب الأخبار وكان على دين اليهودية قبل الإسلام إنى أجد فى التوراة (عبدى أحمد المختار مولده بمكة).
أضاف السحار عن جلال الدين السيوطى: إن من خصائصه الله تنكيس الأصنام لمولده. وعن عبدالمطلب قال: كنت فى الكعبة فرأيت الأصنام سقطت من أماكنها وخرت سجدا، وسمعت صوتا من جدار الكعبة يقول: ولد المصطفى المختار، الذى تهلك بيده الكفار، ويطهر من عبادة الأصنام، ويأمر بعبادة الملك العلام.
وقال الإمام الماوردى فى «أعلام النبوة» بعد أن ذكر وفود عبدالمطلب على سيف بن ذى يزن. قال سيف: يا عبدالمطلب إنى مفض إليك عن سر علمى ما لو كان غيرك لم أبح له. ولكن رأيتك معدنه وأطلعتك عليه فليكن، يأذن الله فيه. فإن الله بالغ فيه أمره. إنى أجد فى الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذى اخترناه لأنفسنا واحتجناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاء للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة. قال عبدالمطلب: أيها الملك فمثلك من سر وبر، فما هو فداك أهل الوبر، زمرا بعد زمر؟. قال: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به زعامة، إلى يوم القيامة. فقال له عبدالمطلب: أبيت اللعن لقد أتيت بخبر ما أتى بمثله وافد، فلولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من بشارته إياى ما ازداد به سرورا. قال ابن ذى يولد فيه أو قد يولد، اسمه أحمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وقد ولدناه مرارا، والله باعثه جهارا، وجاعل منا له أنصارا. يعز بهم أولياؤه ويذل بهم أعداؤه. يضرب بهم الناس عن عرض، ويستفتح بهم كرائم الأرض. تكسر الأوثان، وتخمد النيران، ويعبد الرحمن، ويدحر الشيطان. قوله فصل، وحكمه عدل. يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر. قال عبدالمطلب: أيها الملك عز جدك، وعلا عقبك، وطاب ملكك. وطال عمرك. ويشير الكاتب إلى ما حدث يوم مولد الحبيب محمد فقال: قيل إن ليلة ولادته تزارت الكعبة ولم تسكن ثلاثة أيام بلياليهن، وكان ذلك أول علامة رأت قريش من مولد النبى، وارتجى إيوان كسرى وسمع لشقه صوت هائل، وسقط من ذلك الإيوان أربع عشرة شرقة، وأنه صار تلك الليلة كل واحد من بيوت نار فارس التى كانوا يعبدونها خامدة نيرانه، وغور ماء عيون الفرس فى الأرض حتى لم يبق منها قطرة. ورأى كسرى ما هاله وأفزعه. فلما أصبح تصبر، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره، ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال. أتدرون فيما بعلت إليكم؟ قالوا لا إلا أن تغيرنا الملك. فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب مخمود النيران، وكتاب من صاحب إيليا يخبره أن بحيرة سارة غاضت تلك الليلة، وورد عليه كتاب صاحب الشام يخبره أن وادى السماوة انقطع تلك الليلة، وورد عليه كتاب صاحب طبرية يخبره بأن الماء لم يجر فى بحيرة طبرية. فازداد غما إلى غم، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله، فقال الموبذان: فأنا أصلح الله الملك قد رأيت فى هذه الليلة رؤيا، رأيت إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلادها. فقال كسرى: أى شىء يكون هذا يا موبقان؟ قال: حدث يكون فى ناحية العرب، فابعث إلى عاملك بالحيرة يوجه إليك رجلا من علمائهم فإنهم أصحاب علم بالحدثان.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.