طاهر المعتز بالله لـ«المصري اليوم»: «الدحيح» أهم من هارفارد (حوار)
«بوتين» بارع في توقع الأسوأ
كلما عجز عقله عن فهم شيء درسه، حتى صار أحد كتاب برنامج «الدحيح» البارزين، وقٌررت دراسته عن محمد صلاح في أبرز الجامعات في العالم، والآن، في وقت يقف فيه العالم أمام أزمات كبرى، ويشتعل صراع سياسي، وتتعارض القيم مع المصالح، ويتنافس الأقوياء على السلطة أو المزايا، ثمة شاب مصري يسمى طاهر المعتز بالله، يتوقف ليرصد ما يحدث، من خلال تناول سيرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل مفصَّل، منذ طفولته وبداياته ورحلته في عوالم المخابرات والسياسة، وأيضًا سقوط الاتحاد السوفيتي ورحلة صعود روسيا مرة أخرى بعد التفكك، يعود لمنتصف القرن الماضي حاملا أسئلته العميقة، مستندا إلى أبحاث تاريخية وسياسية موسعة، ليطرح بعد دراسته عن «صلاح»، كتاب «القيصر»: التاريخ السري لـ «بوتين»، عبر منصة Storytel للكتب الصوتية.
لكن لماذا «بوتين» وما الذي تعلمه من شخصيته، يجيب طاهر المعتز بالله في حواره مع «المصري اليوم»: «جعلني بوتين أتفاءل بمصر، لأنه تولى إدارة روسيا في حال (يصعب على الكافر)، ونحن في أسوأ حالات مصر تاريخيًا في العشرين عامًا الماضية، ما زلنا أفضل حالًا من روسيا في هذه الفترة، فكرة انهيار الاتحاد السوفييتي، يشبه أن نتحوّل فجأةً إلى متسوّلين، وهذا ما حدث حرفيًا، لكنّهُ استطاع أن يخرج من هذا الانهيار لكونه قوّة عظمى في هذه اللحظة، في أقل من ربع قرن، وهناك تقارير أن السّلاح الروسي دمّر السلاح الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا الكلام لا يعني حبّي أو انحيازي لبوتين، أنا فقط أقوم بتوثيق هذه الأحداث».
قرأ «طاهر» تاريخ دولة بعيدة عنّا كل البعد ودرس ظروفها وانهيارها ثم خروجها من هذا الانهيار ثانيةً، ففي ظنه هذا ما «يشبه ما أمرنا به القرآن الكريم: (سيروا في الأرض) وغيرها من الآيات التي تأمرنا في قراءة ما حولنا، وأيضًا تجعلني أعلم أنه ليس من الضروري، أن نكون دولةً تابعةً للغرب، بل يمكننا أن نكون دولة ذات سيادة ولا تحتاج للاعتماد على الغرب تمامًا في لحظةٍ ما».
يبدو «المعتز بالله» متفائلا بتجربة روسيا ويراها آملا في نهضة مصر من أزماتها الاقتصادية: «روسيا في عام 1997- 1998 حدث لهم أزمة كبيرة حدّ الإفلاس، وتخلّفوا تسديد الديون الخارجية والداخلية أيضًا، لكنه استطاع تسديد كل الديون الخارجية لصندوق النقد الدولي عام 2008، وهذا يجعلني متفائلًا بالتجربة الروسية».
تعلم «طاهر» الكثير من بوتين: «ما يفعله دائمًا في توقع ما هو أسوأ، لقد قرأ كتاب (التخطيط الاستراتيجي) في أوائل الثمانينات حين كان في معهد الراية الحمراء، وهو أحد أهم الأماكن والتي ربّما يكون قمّة أماكن الجاسوسية، لكنّه ذهب بنفسه وطلب العمل معهم وكان صغير السن في هذا الوقت، وهذه إحدى الأشياء الأخرى التي تعلمتها من بوتين، وضع هدفًا أمامه وبدأ العمل عليه في عمرٍ مبكر، والهدف لم يكون بسيطًا، فلا يمكنني تخيّل أن أطرق باب المخابرات وأطلب العمل معهم، لكنه كان يرى أن هذه هي الوطنية».
تكمن أهمية الكتابة عن بوتين بالنسبة لـ«طاهر المعز بالله» في أننا «في بحثنا نبحث عن التحول الديمقراطي، يحدث مشاكل ما في المجتمع فيختار الديمقراطية، لكننا لا ندرس بالشكل الكافي العكس وهو الانقلاب على الديمقراطية، ودائما عند أي انقلاب نرجح أن السبب هو الرجل القوي، لكن في العلوم الإنسانية لابد أن نسأل: لماذا يدعم الناس فرد واحد بينما كانوا من قبل يعترضون على حكم الفرد؟ من السهل هنا أن يتضع إجابة سطحية مثل وصفهم بالجهلة، وهو ما أحاول أن أفعله في»بوتين«في فصل (لماذا نحب الديكتاتورية؟)، نغوص في علم النفس وعلم الاجتماع لفهم الأسباب».
يبذل «طاهر» في كتابه مجهودا كبيرا في رسم الخلفيات التاريخية، لكن يمكن أن نتناقش حول مساحة هذه الخلفيات، فقد أعطى مساحة كبيرة مثلا للصراع في أفغانستان بشكل أكبر حتى من صراع روسيا وألمانيا والذي ربّما يكون حدثًا أكبر، يفسر «المعتز بالله»: «بالفعل كان الجزء المخصص لأفغانستان طويلًا، لكنه كان قرارًا شخصيًا بالنسبة لي، لأنه يتم التعامل معها كما لو أنها ليست موجودة، كان العثور على المصادر صعبًا جدًا سواء كان باللغة العربية أو الإنجليزية، وحتى المصادر الموجودة تبدأ جميعها من (بدأ الغزو الروسي) دون أي إشارة لما حدث قبل ذلك، لذلك قمت بإعطاء هذه المساحة لأفغانستان لتكون مرجعًا لكل من لديه هذا التساؤل حول أفغانستان وكيف وصل الأمر إلى هذه النقطة، وأيضًا أعطيتها هذه المساحة لأنه منها ستخرج طالبان، ثم الشيشان بشكلٍ أو بآخر، ثم 11 سبتمبر بشكلٍ أو بآخر».
ويضيف «طاهر» في حواره مع «المصري اليوم»: «أردت الإشارة أن هناك صراعًا قديمًا بين بوتين والإسلاميين، ومن هذه النقطة يجب أن نشير إلى موقفه مما يحدث الآن في غزة، فهو كما نعلم ليس على وفاق مع أمريكا وإسرائيل، لكن لديه مشاكل كبيرة مع الإسلام المسلح منذ هذه الأحداث، وأيضًا الانقلاب الذي أرادوا أن يقوموا بيه في كابوا، يكاد يطابق الذي حدث في كييف، بدايةً من توقعات دخول البلد في ثلاثة أيام والقضاء على أي مقاومة والسيطرة على العاصمة، ما حدث في كابول هو ما حدث في الشيشان وهو أيضًا ما حدث في كييف، لكن لم تكن هناك مساحة للتطرق لكل هذه التفاصيل، لكنني مؤمن بفكرة الحكي الدائري».
بالحديث عن الحكي الدائري، والصراع القديم بين بوتين والإسلاميين، بدأ «طاهر» كتابه بصراع الاتحاد السوفيتي مع ألمانيا النازية، واختتمه بصراع الحرب الروسية الأوكرانية، يعلق: «هذه هي أحد الأشياء التي تدعو للتفاؤل بالنسبة لي، مشاهدة دائرية التاريخ تجعلنا ندرك أن هذه الدورة لم تتوقف مما يجعلنا ننظر لمشاكلنا بشكل أبسط، معرفتنا أن هناك مليارات البشر الذين يشاركونا نفس الظروف تاريخيًا ومستقبليًا حقيقة ربما تكون صادمة، لأن كل إنسان يظن أنه يمر بحدث فريد، وأن ظروفه استثنائية، ولكن هذه الحقيقة رغم صدمتها إلا أنها تعتبر نوع من العزاء».
اختار «المعتز بالله» الكتابة بالعامية، وظل الحس الساخر الذي يتبعه في كتابة حلقات «الدحيح» بشكل ما، فبدا أن الصورة البصرية للدحيح كانت ما تزال أمامه أثناء الكتابة عن بوتين، ينفي «طاهر» ذلك: «لا لم يكن الدحيح في رأسي أثناء كتابة، لكن ربما أكون ما زلت متأثرًا بالطريقة بشكلٍ ما، لقد احتفظت بـ (فورمات) الكتابة لأنني أراه أفضل للقراءة، لكنني لم أكن أكتب للدحيح، ويضيف مازحا:»الدحيح إفّيهاته أحلى بكتير«.
بينما في كتابه الأول، «الحركة الطلابية في الجامعة الأمريكية» اختار «طاهر» اللغة الفصحى، وبالعودة إليه نعرف شغفه بالكتابة عن التجارب المعاصرة وليس «بوتين» وحده: «أردت تركز وثيقة عن مرحلة عمرية معينة، كنت أمل أن يكتب الناس عن التجارب المعاصرة، كل شخص يكتب تجربته في المكان الذي يقف فيه، كي لا نعيد اختراع العجلة، من باب التأريخ والتوثيق، لذلك أردت توثيق الحراك في الجامعة الامريكية، في وقت حراك أكبر في مصر في 2011».
يواصل «المعتز بالله» في حواره لـ«المصري اليوم:»تماما كما فعلت في كتاب (الدحيح)، البعض كان يرى أنه «أهيف» من الكتابة عنه، لماذا لا تكتب مثلا عن «بيل جيتس»، لكن أليست الكتابه عن «بيل» في السبعينات حين كان في العشرين من عمره وبدأ بشركة صغيرة تحمل إلهاما أكبر؟ ربما يتحرك الناس للأمام، أو تأخد أملا لما هو قادم في حياتها، بالإضافة إلى أن الكتابة عن «بيل» الآن ستأتي في ظل رؤية مغايرة، التجربة التي لم تكتمل فيها الكثير من الآلام، بدأ البعض مؤخرا لكتابة تجربتهم الشخصية مثل دكتورة عزة فهمي عن مصانع الفضة، كتاب الحاج محمود العربي في مجاله، التجارب لم تكتمل تبقى مغرية أكثر للناس، فمع كامل احترامي للمقامات والتجارب الفنية لكنى أعتقد أن صغار السن سيهتمون أكثر بمعرفة تجربة «ويجز» عن تجربة «عمرو دياب».
ولأنه يهتم بصغار السن فقد جاء اختيار «طاهر» لـ«الدحيح» كمشروع معرفي يساهم في نشر الوعي والثقافة والأثر الإيجابي المجتمعي: «كان من المهم أن تكمل جميلك وتحث المشاهد على القراءة، إذا البعض أعتقد أن الحلقة منتهى التعليم والمعرفة، واكتفى بحلقتين في الأسبوع تبقى (مصيبة سودة)، كان هدفي أن استغل شعبية (الدحيح) ونكتب كتاب هدفه أن يصبح الكتاب الأول للمشاهد».
بهذا المعنى بدا أن «طاهر» يربط بين «الدحيح» وتجربة أحمد خالد توفيق في جعله الشباب يقرأون، يؤكد «المعتز بالله»: «أعتقد نعم، دكتور أحمد حبب الجمهور في القراءة و«الدحيح» حببهم في التعلم، فكان هدفي أن ندعم ذلك، ويصبح جزء من هذا التعلم هو القراءة، كتاب»الدحيح«هو مجرد عتبة تصعد عليها لتنتقل إلى كتاب آخر، كل جيل وكل فئة عمرية تحتاج لمدخل كي تحب القراءة، وهو ما لم يكن يحدث سوى بشخصية محبوبة بالدرجة الأولى، لها شعبية وليست شهرة في المقام الثاني، وأحبها بطبيعة الحال».
وبالحديث عن القراءة والتعلم، تتنوع مصادر دراسة «طاهر»، فبدت وكأنها ليست عشوائية، يقول: «أنا ابن التعليم المجاني، أخذت منحة كاملة من مؤسسة الألفي للدراسة في الجامعة الأمريكية، وحصلت على منحة كاملة من مؤسسة ساويرس للتنمية المجتمعية للدراسة في جامعة هارفارد، رقم واحد توفيق ربنا لأن في القبول في هذه الجامعات يحتاج سعي ومجهود كبير، لكن تبقى تجربة (الدحيح) هي الأهم».
بدت الجملة غريبة بعض الشئ فسألنا بوضوح: هل تجربة الدحيح أهم من هارفارد؟ فأجاب بصراحة يحسد عليها: «طبعا».
بدأ «المعتز بالله» دراسة الهندسة فكان «اختيار عشوائية جدا، مثل ملايين الشباب المصريين أو ملايين المراهقين، درست هندسة بترول»، أما عن اختياره للعلوم السياسية كتخصص فرعي: «لأنني أدركت أن رؤيتي للعالم أبيض أو أسود، نعم أو لا، لكن التجربة الإنسانية معقدة، وعندما قامت ثورة يناير لم أكن أدرك ما حولي بالدرجة الكافية، فالتحقت بالعلوم السياسية، مزج الإثنين معا رائع في الكتابة، الهندسة تجعلك تضع خطة كتابية والإنسانيات تساعد على فهم وتحليل التجارب الكبيرة»، بينما كان السبب وراء دراسة إدارة الأعمال أن «وجدت بعض المواهب ما لم تكن تصل إلى ما يمكن أن تصل إليه بسبب الإدارة».
يقدم كتاب «القيصر» للقراء عبر منصة صوتية، والكتابة لوسيط مختلف تحتاج إلى آليات مختلفة، يعلق «طاهر»: «الكتابة الصوتية مثلها مثل أي كتابة لها مميزاتها وعيوبها، عيوبها غياب العنصر البصري، فحينما أكتب لأحمد الغندور على سبيل المثال يمكننا إضافة صورة أو نكتة أو أن يستخدم تعبيراته الشخصية، غياب هذه العوامل المساعدة يجعل التركيز الأكبر على الصوت، ومشكلة الصوت أن المستمع أحيانًا ينام أثناء الاستماع، وأن أغلب مسجلي الكتب الصوتية يقومون بقراءة الكتابة وليس حكايته كأنك تقرأه لشخص أمامك بالفعل، وهذا ما فعلته أثناء تسجيل الكتاب، كنت أتخيل أن هناك شخص ما أمامي يستمع لي وأنا أحكي له هذه القصة، حتى لا يكون الكتاب الصوتي رتيبًا ومملًا، وفي نفس الوقت أحاول كسر الملل باستخدام الفكاهة والكوميديا، ولكسر الكآبة أيضًا، فالكتاب جاد جدًا وملئ بالصراعات، وهذا يكسر حدة الموضوع».
لا يؤمن «طاهر» بمصطلح «صانع محتوى»، يشعر كأنها «وظيفة مستحدثة وهجينة لمن يكسب عيشه من وراء السوشيال ميديا، ليس لدي مشكلة معها لكنني أرى نفسي ككاتب، فيلم أو كتاب صوتي أو كتاب ورقي لكنني كاتب في النهاية، رغم تغيير شكل الكتابة إلا أنه في النهاية لا فرق، الكتابة واحدة والحكي واحد، الكاتب يريد الحكي، وأنا أرى أن الموضوع هو الذي يحدد كيف ستتم الكتابة وما الوسيط المناسب».
كتب «المعتز بالله» عند عدة تجارب مختلفة، مثل الدحيح ومحمد صلاح وبوتين وغيرها من الكتب والتجارب، وهي تجارب ما تزال تنضج في أغلبها أو لم تكتمل، يقول: «هدفي هو حكي قصة ممتعة ومفيدة، وجزء من الإفادة هو الإلهام، بمعنى قراءة الحياة الشخصية لآخرين بهدف التعلم منها، أعتقد أن لدينا مشكلة في فهمنا عن النماذج التي تستحق الدراسة، نظن أن النموذج الذي يستحق الدراسة مرتبط بفهم ضيق جدا للنجاح وهو النجاح الساحق، ملياردير مثلا أو شخص مثل محمد صلاح، بينما أغلب النجاحات في الحياة ليست كذلك، لا تحدث بهذه الشهرة الكبيرة».
ويضيف «طاهر» في حواره لـ«المصري اليوم»: «الفكرة أن يستمتع القارئ ويستفيد، وجزء من الاستفادة أن يخرج بشئ يلهمه، ربما يأخذ فعل ما، أو يغير موقف أو حتى تفكير، وهو ما لا يحدث سوى في تجارب يمكن أن يرى نفسه فيها، أي من خلال تجارب صغيرة ما تزال في بداياتها، لا تزال تصارع، فلو كتبت عن «الدحيح» بعد عشرين عاما بعدما يصبح مثلا وزير إعلام، فسيكون فقد القدرة على أن أرى نفسي -كقارئ- فيه، أما الكتابة عنه الآن، في سن صغير وحديث التخرج وفي سبيل البحث عن طريقه، يتخبط هنا ويفشل هناك، فهدفي لم يكن تمجيده ولا تقيمه، وإنما رصد تجربته، والبحث عما يمكن أن أتعلمه منه».
أما عن كواليس دراسته عن محمد صلاح، وتفاصيل لقاءه به، فيواصل: «فى عام 2020 كتبت حلقة كاملة عن مسيرة محمد صلاح لبرامج «الدحيح» صناعة المحتوى، ولم يكتب لها النجاح لعدم توافر المصادر الكافية للحديث عن زخم تجربة صلاح»، فكان الإخفاق دافعا لطاهر للمزيد من البحث والحرص على إيجاد كلمة السر في تفرد نجاح تجربة صلاح.
ويختتم طاهر المعتز بالله حواره لـ«المصري اليوم»: «الدراسة أكاديمية ويتم تصديرها لباقى جامعات العالم فيتم أخذها على محمل الجد لأعلى المستويات، وتحت إشراف الأستاذة أنيتا إلبرسى، المختصة في مجال إدارة الأعمال الرياضية والترفيهية في هارافارد، ومختصة في مجال التسويق، التقيت بمحمد صلاح مرة واحدة لمدة ساعتين، وبرامي عباس أكثر من مرة، ذهبنا له في انجلترا واستقبلناه في أمريكا، وظللنا على اتصال».
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.