غضب سكندرى بسبب الترميم الخاطئ لـ«شخشيخة» المرسي أبوالعباس
حالة من الجدل والغضب الشعبى فى الإسكندرية، خلال اليومين الماضيين، بسبب ما تعرضت له الزخارف الجصية التاريخية الموجودة فى «شخشيخة» وصحن مسجد المرسى أبوالعباس فى ميدان المساجد وسط المدينة الساحلية، على يد أحد المقاولين، الذى قام بطمس الهوية التاريخية من خلال وضع دهانات معجون أبيض على الزخارف ليحولها إلى شكل مختلف تماماً، وسط انتقادات حادة من أعضاء مجلس النواب وباحثين أثريين والذين انتقدوا غياب الرقابة على أعمال الترميم للمبانى التراثية والتاريخية، فيما تدخلت وزارة الأوقاف بقرار عاجل فى هذا الصدد، للحفاظ على المسجد التاريخى الذى يعد أحد أعمدة الصوفية وممارسة الروحانيات فى المحافظة.
«المصرى اليوم» تكشف القصة الكاملة، وراء أزمة الزخارف الجصية التاريخية بمسجد أبوالعباس، خاصة بعدما وصلت إلى مجلس النواب من خلال طلب إحاطة مقدم من النائب محمود قاسم، حيث اشتعل الشارع الإسكندرانى، غضبًا، بعد أن تسببت أعمال ترميم خاطئة بمسجد أبوالعباس المرسى، أشهر مساجد الإسكندرية على الإطلاق، فى طمس وتدمير زخارف جزء كبير من المسجد الذى يعد أيقونة ودرة تاج مساجد الثغر، فيما نشرت مبادرة «أنقذوا الإسكندرية الخديوية»، عبر صفحتها على «فيسبوك» صورًا لـ «شخشيخة» المسجد قبل وبعد الترميم تظهر تدمير كبير وإزالة الزخارف والنقوش التاريخية التى تميز المسجد الواقع بميدان المساجد بحى الجمرك، فيما تداول رواد مواقع التواصل، صور أعمال الترميم التى وصفوهها بالخاطئة.
وتدخلت محافظة الإسكندرية، بشكل عاجل، وقررت تشكيل لجنة متخصصة من إدارة التراث بالمحافظة والإدارة الهندسية والقانونية لحى الجمرك، وإيقاف أعمال مقاول الترميم التابع لمديرية الأوقاف داخل مسجد أبى العباس المرسى، مؤكدة أن المقاول أجرى أعمال الترميم بسقف المسجد دون الرجوع إلى الفنيين والمختصين فى أعمال ترميم المنشآت التراثية.
من جهته، أوضح عبدالله حسن، المتحدث باسم وزارة الأوقاف، أن الوزارة تعتزم إسناد أعمال الترميم والتطوير الشامل للمسجد بما فيه الصحن والشخشيخة التى ظهر بها أعمال التشوهات إلى إحدى الشركات الكبرى المتخصصة فى هذا المجال، على أن يتم البدء فى الأعمال خلال شهر رمضان المقبل، كما كان مقررًا، منوهًا بأن القبة كانت بها زخارف جصية، لكن نتيجة ما أصاب الحديد المستخدم فيها بالتآكل جراء تشبعه بمياه الأمطار، الأمر الذى شكل خطورة داهمة على حياة المصلين من رواد المسجد، فضلا عن تساقط الزخارف، تم إسناد الموضوع إلى المقاول السنوى لمديرية أوقاف الإسكندرية، لعمل ترميم بسيط أشبه بدرء خطورة فقط للقبة لحماية المصلين.
وأضاف «حسن» أن المشروع الجديد سيكون من ضمن مهامه الموكلة إليه، إعادة الشىء لأصله فيما يتعلق بالزخارف، خاصة أن مهمة الوزارة حماية التراث والتاريخ المتمثل فى مسجد المرسى أبو العباس، وإن لم يكن مسجدًا أثريًا؛ إلا أنه مبنى تراثى ويعتبر درة المساجد فى الإسكندرية، مشددا ًعلى أنه سيتم إعادة الزخارف إلى نفس ذاتها بعد الأعمال الجديدة.
وقال الدكتور حسام عبدالباسط، الباحث فى علم الآثار، إن ما حدث يعد كارثة بكل المقاييس ولا يعفى أى مسؤول من المساءلة القانونية والسياسية بلا شك، كون المقاول حطم الزخارف الجصية للسقف الرئيسى للمسجد، وهو سقف «الشخشيخة»، ومسحها بالكامل، مستخدماً أدوات البناء والتكسير وهو المطرقة والإزميل دون وعى ولا دراية بقيمة ما ارتكب جريمة فى حقه، معربًا عن حزنه الشديد تجاه ما حدث للزخارف التاريخية، معتبراً إياها كنزاً لا يقدر بثمن.
وأكد «عبدالباسط» لـ«المصرى اليوم»، أن ما يثير الدهشة والغضب، أن مثل هذه الأمور تحدث فى الوقت الذى تحظى مصر بتقدم كبير فى علم ومجال ترميم الآثار وهندسة الإنشاءات والمبانى، وتقوم بتصدير علمائها وكفاءتها وخبراتها للمنطقة العربية ككل، مستطرداً: «الجهل والاستسهال وسوء الإدارة بيدمروا تاريخنا المعاصر وتراثنا القومى».
لافتًا إلى أن «المرسى أبوالعباس» كان ضمن 5 مساجد تصنف بالأعمال الدينية للمعمارى العالمى الشهير، ماريو روسى فى الإسكندرية، مع «جامع القائد إبراهيم، جامع على تمراز، جامع محمد كريم، جامع مطار النزهة»، إذ تم إنشاء الجامع الحالى فى نفس موضع الجامع القديم الذى يضم مقام العارف بالله أبوالعباس المرسى، وتعرّض القديم للعديد من المراحل التى انتهت بهدمه فى عهد الملك فؤاد الأول، وإنشاء الجامع الحالى تحت إشراف وزارة الأوقاف.
وتابع «عبدالباسط»: «الأعمدة من الجرانيت المستوردة من محاجر يافينو بإيطاليا، ومن التجارب التى أجريت على نوع الجرانيت قبل استعماله اتضح أن السنتيمتر المربع فى مكعب من الجرانيت ضلعة 20 سنتميترًا لتحمل ضغط مقداره 300 كيلوجرام دون كسر، وتقدر أكبر تحميل صحيح 90 كيلوجرامًا لكل سنتيمتر مربع، ولم يفت المعمارى التفكير فى استخدام الجرانيت المصرى، لكن حال دون ذلك صعوبات فنية عديدة لا يمكن التغلب عليها، منها عدم وجود آلات ميكانيكية لاستخراج كتل من الجرانيت تناسب مقاسات الأعمدة وعدم وجود آلات لتشكيل الكتل بالقطاعات والزخارف المطلوبة».
وأشار «عبدالباسط» إلى أن سقف الجامع من الخرسانة المسلحة يتخلله 4 قباب ومنور مرتفع فى وسط المثمن يعرف باسم «شخشيخة»، وروعى فى تصميم السقف وضع الكمرات فى أوضاع هندسية تتناسب مع التصميم، حيث ترتكز فى المحيط الخارجى على جدران الجامع والداخلى على 8 دعامات و16عمودًا، والقباب الـ 4 من الخرسانة المسلحة تتكون من طبقتين؛ الخارجية وقطرها 7.75 متر وارتفاعها أعلى الجامع 15 مترًا أي37 مترًا من منسوب الشارع، وهى مكسوة من الخارج بالحجر الصناعى منفذ به زخارف نباتية وأشكال هندسية.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.