كيف عاش سيدنا يونس 3 أيام فى ظلمات بطن الحوت؟
يونس أو يونان هو نبي لدى كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين، هو من الرسل الذين أرسلهم الله بعد سليمان وقبل عيسى عليهم السلام جميعًا، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل، قال علماء التفسير: أرسل الله يونس عليه السلام، إلى أهل نينوى من أرض الموصل في العراق. وقال القرآن في شأنه: {وإن يونس لمن المرسلين}.
ويُقصد بالنون الحوت، وجاءت تسميته بهذا الاسم لأنّ الحوت التقمه، وعليه فإنّ ذا النون هو صاحب الحوت، وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- بعث نبيّه يونس -عليه السلام- بالدعوة لعبادته وحده دون الإشراك به، إلّا أنّ قومه كذبّوه وتمرّدوا عليه وأصرّوا على كفرهم وعنادهم، وحين رأى يونس أنّ القوم لم يتغيّر حالهم خرج من بينهم وتوعّدهم بالعذاب، فتيقّنوا من حلول العذاب بهم، وبدأوا بالتضرع إلى الله ليكشف عنهم العذاب، فرفع الله عنهم العذاب برحمته وقوّته.
دعوة سيدنا يونس لقومه
بعث الله -عزّ وجلّ- نبيه يونس -عليه السلام- برسالة توحيد الله وإفراده بالعبادة، وهي الرسالة التي أرسل الله رسله بها، ولمّا عرف قومه ما جاء به إليهم رفضوا الإذعان له، فأخبرهم بحلول العذاب بهم خلال ثلاثة أيامٍ، وما كان من يونس إلّا أن خرج من بينهم باليوم الثالث قبل أن يأذن الله -تعالى- له بالخروج، وبعد خروجه بدأت علامات العذاب والهلاك بالاقتراب منهم، فتأكّدوا من صدق ما جاء به يونس إليهم، وأنّ العذاب واقعٌ بهم لا محالة، فما كان منهم إلّا أن صدّقوا بدعوة يونس لهم، فتوجّهوا إلى الله تائبين نائبين مستغفرين، فبسط الله -سبحانه- عليهم رحمته بعد أن كاد يوقع بهم عذابه، وتمنّوا عودة سيدنا يونس -عليه السلام- إليهم ليعيش بينهم هاديًا وناصحًا.
إلّا أنّ سيدنا يونس استمر في طريقه وركب السفينة، وهاج البحر حين كانت السفينة في نصف البحر، فاقترح من كان بالسفينة التخفيف من حِملها حتى لا تغرق بالتخلّص من بعض مَن هم على ظهرها، ويكون ذلك بالقُرعة فيما بينهم، فخرجت القرعة على سيدنا يونس -عليه السلام-، إلّا أنّهم رفضوا إلقاءه في البحر لما وجدوا فيه من الخصال الحميدة، فاقترعوا ثانيةً فخرجت القرعة عليه، ثمّ اقترعوا ثالثةً فخرجت عليه أيضًا، فعلم سيدنا يونس -عليه السلام- أنّ ذلك لحكمةٍ أرادها الله -تعالى-، فقد خرج من بين قومه قبل أن يأذن الله له بالخروج، فخضع لما أراده الله وألقى بنفسه في البحر.
سيدنا يونس في بطن الحوت
بعدما ألقى يونس نفسه في البحر أرسل الله -تعالى- له حوتًا فابتلعه، وقد حماه الله من أي ضررٍ قد يصيبه من الحوت من كسرٍ أو خدشٍ، فكان بطن الحوت بالنسبة ليونس بمثابة السجن، وكان محاطًا بظلمة بطن الحوت فوق ظلمة البحر، وبدأ يذكر ربه ويستصرخه مناديًا بكلمة التوحيد، ومعتذرًا عمّا بدر منه من خروجه من بين قومه دون أن يأذن الله له، فقال: (لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فاستجاب له ربه دعاءه، فألقى الحوت يونس إلى الخارج، وكان يونس -عليه السلام- مريضًا من هول ما رآه في بطن الحوت، وأنبت الله -سبحانه- له شجرةً يأكل منها ويستظلّ بها.
كم لبث سيدنا يونس في بطن الحوت ؟
وعندما التقم الحوت سيدنا يونس -عليه السلام- في بطنه اعتقد نبي الله أنّه مات، لكنّه حرّك يديه، وساقيه، فتحرّك، فسجد لله -تعالى- شاكرًا له بأن حفظه، ونجّاه، فلم تُكسر له يد، ولا رجل، ولم يصبه مكروه، وبقي في بطن الحوت ثلاثة أيّام، وسمع فيها أصواتًا غريبةً لم يفهمها، فأوحى الله -تعالى- له أنّها تسبيح مخلوقات البحر، فأقبل هو أيضًا يسبّح الله تعالى، قائلًا: “لا إله إلّا أنت، سُبحانك إنّي كنت من الظّالمين”.
بعد شكر الله والسجود له وشكره علي نعمه من قبل نبي الله يونس أمر الله -تعالى- الحوت فقذف به على اليابسة، وأنبتت عليه شجرة يقطين؛ يستظلّ بها، ويأكل من ثمرها، حتى نجا من الوضع شديد الصعوبة الذي عاني منه بعد ان قذفه الحوت في بيئة قاسية جدا .
دعاء سيدنا يونس في القرآن
كلمة الدعاء في القرآن الكريم يُقصد بها أحد معنيين؛ إمّا دعاء العبادة وإمّا دعاء الطلب، وفي قول يونس -عليه السلام-: “لا إله إلّا أنت” فيه إقرارٌ بوحدانية الله -تعالى- فهو واحدٌ لا ثاني له، كما لا يستحق أحدٌ غيره العبادة، والله وحده المستحق للخضوع والذل.
وقول يونس: “إنّي كنت من الظالمين” اعترافٌ بالذنب والتقصير ووصف السائل لحال نفسه بأنّه ظالمٌ، وهذا الوصف المناسب في مقام المناجاة، كما أنّه أدبٌ في الخطاب مع المسؤول.
أمّا قوله: “سبحانك” ففيه ترفيعٌ لله -تعالى- عن الظلم، ولذلك فإنّ من الآداب المتعلقة بالدعاء وطلب الحاجات من الله الاعتراف والإقرار بعدله وإحسانه على عباده أولًا، إذ إنّ من غير الممكن أن يظلم الله -تعالى- أحدًا من خلقه.
كما أنّ في دعاء يونس -عليه السلام- لربه تسبيحٌ وتهليلٌ له، وفي فضل ذلك رُوي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ)، والتسبيح ينفي النقص والسوء، ويثبت الكمال والحُسن، والتهليل فيه غاية الإجلال لله والإكرام له، كما أنّ التسبيح يقترن به التحميد، والتهليل يقرن به التكبير، وذلك كلّه يتضمّن كمال المدح والثناء لله -تعالى- ببيان معاني أسمائه وصفاته العليا.
ورد ذكر نبي الله يونس في العديد من سور القرآن الكريم، منها: النساء والأنعام والصافات، إضافةً إلى السورة التي سُمّيت باسمه؛ سورة يونس، وقد ورد ذكره فيها باسمه صريحًا دون اللقب، وورد ذكره بلقبه مرتين في القرآن الكريم؛ إحداهما في سورة الأنبياء بلقب “ذي النون”، والأخرى في سورة القلم بلقب “صاحب الحوت”.
فجميع الأنبياء والرسل -عليهم السلام- أُرسلوا بالدعوة إلى توحيد الله -تعالى-، وما ينبني على ذلك من تصحيح العقائد والانحرافات التي وقع بها الأقوام، وما من نبيٍ إلّا وقال لقومه: (اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ)، كما كان الرسل قدوةً لأقوامهم في تبليغ ما أمرهم الله به، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.