محمد الشافعي يكتب: «حائط بلا مبكى».. رواية تؤرخ سرديًا لاغتصاب فلسطين
استطاعت معركة السابع من أكتوبر 2023.. أن تؤكد على هشاشة وضعف الكيان الصهيونى.. الذى يزعم طوال الوقت أنه يمتلك جيشا لا يقهر.. ولكن المقاومة الفلسطينية قدمت فى ذلك اليوم دليلًا جديدًا يضاف إلى الأدلة التى قدمتها حروب الاستنزاف وأكتوبر وجنوب لبنان وغزة.. على أن هذا الكيان مجرد قاعدة متقدمة للغرب..تعمل بكل الوسائل على إضعاف العرب واستنزاف مقدراتهم.. وقد استطاع الصراع العربى الصهيونى.. على مدى أكثر من خمسة وسبعين عامًا.. أن يفجر الكثير من ينابيع الإبداع عربيًا ودوليا.
فلدينا العشرات من الروايات والدواوين الشعرية والمجموعات القصصية والمسرحيات.. والأغانى والأفلام الوثائقية والروائية..التى تسجل إبداعيا مدى بشاعة وبربرية هذا الكيان المحتل.. وفى قلب هذا الزخم الإبداعى.. تبرز رواية حائط بلا مبكى للكاتبة الصحفية والروائية فكرية أحمد.. انطلاقًا من كونها أول رواية.. ربما على مستوى العالم.. التى كتبت على الهواء مباشرة.. فعملية التخطيط والإعداد لكتابة الرواية..أى رواية..تأخذ وقتًا طويلًا من المبدع.. فى جمع المادة العلمية ورسم ملامح الشخصيات والأحداث..وبعض الروايات أخذت من مبدعيها عدة سنوات.
وأغلبها يأخذ العديد من الأشهر..ولكن فكرية أحمد استطاعت أن تبذل جهودًا كبيرة وموفقة فى جمع الكثير والكثير من المعلومات التاريخية المهمة والموثقة.. عن تاريخ الصراع العربى الصهيونى.. وتحديدًا عن مراحل اغتصاب واحتلال فلسطين.. على يد العصابات الصهيونية.. بمساعدة بريطانيا..ولم تتوقف الأدبية عند هذا الحد..بل وصلت بأحداث روايتها إلى معركة السابع من أكتوبر 2023 وماتبعها من عدوان صهيونى همجى على المدنيين العزل فى قطاع غزة.. ذلك العدوان الذى وصل إلى حد الإبادة الجماعية.
كما استطاعت فكرية أحمد تضفير المعلومات التاريخية بالسياق الأدبى فى الرواية..لتصنع حالة من التشويق والإثارة..ورغم غلبة الأحداث التاريخية على مجمل أحداث الرواية ما يجعلها فى عداد الروايات التاريخية.. ورغم غلبة أسلوب الكتابة الصحفية الذى يتخفف كثيرًا من الصياغات الأدبية.. إلا أن كل هذا لا يقلل من متعة القارئ.. خاصة أن اللغة سهلة وبسيطة.. ومحملة بكم هائل من الثقافة التاريخية.. التى تهدف إلى إيقاظ الوعى الوطنى.. وتصحيح المفاهيم.. لدى الأجيال الجديدة من شباب الوطن العربى، وقد نجحت فكرية أحمد فى نقل معاناة الفلسطينيين فى قطاع غزة.
وأيضا داخل الخط الأخضر فى القدس الشريف.. فكل فلسطينى هدف مباح لهذا الكيان المغتصب.. يمارس تجاهه كل أشكال وألوان القهر والتعذيب والقتل وتدور أحداث الرواية من خلال العديد من الشخصيات المحورية.. مثل فريحة وباسم.. خالد، ودارين.. جهاد.. فايز.. جميلة.. أبو صهيب.. إلخ، ويمثل الشيخ الكفيف أبو صهيب العمود الفقرى للرواية.. فهو الذاكرة الوطنية الواعية.. التى تنقل الأحداث وتاريخ المعاناة الفلسطينية مع هذا المحتل الغاشم إلى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال.. بينما فريحة سيدة فلسطينية شابة من سكان القدس.
متزوجة منذ عدة أشهر من باسم..يتم اعتقالها بلا سبب.. وتتعرض لأبشع أنواع التعذيب لكى يتم إجهاض حملها.. ولكنها تلد فى النهاية طفلها ياسر.. الذى يأخذه والده ويرحل عن الحى الذى يمتلك فيه بيتًا..هربًا من مضايقات المحتل.. وينتقل إلى حى آخر.. إلى جوار عائلة الزينى خالد وشقيقته دارين وأمهما التى أفقدها المحتل ساقيها..بعد أن مات الأب نتيجة التعذيب الذى تعرض له على مدى عشر سنوات فى سجون الاحتلال..وجهاد الشاب النابه طالب العلوم.. الذى يشارك فى تصنيع المتفجرات.
ويتم اعتقاله ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب حتى يفقد عقله..وفايز الشاب المقاوم.. الذى يعيش فى غزة.. ويجعل من بيت أسرته بداية لإحدى فتحات الأنفاق التى يستخدمها أبطال المقاومة فى غزة. وقد بذلت فكرية أحمد جهدًا رائعًا، لكى تنقل إلى قارئ روايتها أهم الشوارع والأحياء فى مدينة القدس.. وأسماء وأماكن سجون العدو.. إلخ.. مما يجعل القارئ يعيش بخياله صورة حية عن كل تفاصيل مدينة القدس.. وقطاع غزة.. وكل هذه التفاصيل مصحوبة بالمعلومات التاريخية الموثقة عن كل المؤامرات التى تمت وتتم للقضاء على كل ما هو فلسطينى.
ورغم هذا الجهد المشكور إلا أن بعض المعلومات التاريخية غير كاملة..وبعض المعلومات الأخرى تحتاج إلى ضبط وتدقيق.. فمثلًا من الرائع أن تتضمن الرواية تفاصيل ثورة البراق.. انفجرت عام 1929.. بسبب طقوس اليهود عند حائط البراق.. الذى أسموه حائط المبكى، ولكن الأديبة لم تذكر أن تلك الثورة قد انتهت بتشكيل محكمة دولية..أصدرت حكمها فى عام 1931..بأن الحائط والمسجد الأقصى وكل الأراضى التى حوله.. هى ملك خاص للفلسطينيين، لأنها وقف منذ مئات السنين لخدمة الأقصى..وفرض الحكم على اليهود زيارة الحائط فقط.
وعدم ممارسة أى طقوس عنده.. وأجبر الإنجليز على إصدار الكتاب الأبيض.. الذى يحتوى على تفاصيل ذلك الحكم التاريخى.. ومن المعلومات التى تحتاج إلى ضبط وتدقيق..أن مساحة قطاع غزة 41 كيلو مترا.. فمساحة القطاع 365 كيلومترا.. وأيضا أن الأنفاق التى تخرج من غزة.. تصل بالقرب من القدس.. فالمسافة بين غزة والقدس أكثر قليلًا من مائة كيلومتر.. كما أن القدس تقع على تبة مرتفعة.. ويحتاج الكلام عن بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود إلى كثير من الحذر والتدقيق..لأن هذا تقريبًا لم يحدث.. بدليل احتفاظ كل الفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم فى يافا وحيفا والقدس.
وكل المدن والبلدات.. التى أجبروا على تركها.. كما تعانى الرواية من كثرة الأخطاء المطبعية.. وقد وعدت الأديبة فكرية أحمد خلال ندوة مناقشة الرواية فى نقابة الصحفيين..بأنها ستعمل على تلافى كل تلك الملاحظات فى الطبعة الجديدة.. كما وعد الناشر زميلنا الكاتب الصحفى أسامة إبراهيم صاحب دار النخبة بأنه سيعمل فورًا على تلافى تلك الملاحظات..ونحن نشكر الأديبة والناشر على هذه الاستجابة السريعة.. التى ستجعل من هذه الرواية المهمة مرجعًا تاريخيًا موثوقًا به..فى سرد وتأريخ تفاصيل العدوان الصهيونى على فلسطين واحتلالها.. ولتصبح بعد خمسة وسبعين عامًا من هذا الاحتلال.. الدولة الوحيدة فى العالم التى تعانى ويلات القهر والاحتلال.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.