الأونروا في رمضان.. بين الحصار المالي ومخاطر المجاعة (بيانات)


«ولدت في إحدى عياداتها، وتلقيت تطعيمات في مرافقها الصحية، أكملت تعليمي حتى الصف التاسع (الثالث الإعدادي) في مدارسها، حين كبرت وفرت لي فرص عمل مؤقتة ساعدتي على الزواج، وحين أنجبت طفلًا تلقى المتابعة الدورية في عياداتها، الحليب الذي يتم توزيعه عبر الوكالة استخدمه أهلي لي في طفولتي كغذاء واستخدمته أنا الآن لطفلي» بهذه الكلمات عبر سليمان حسن شاب فلسطيني في أواخر العشرينيات عن دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى الأونروا عبر الأجيال.

لكن الأونروا التي وصفها سليمان في حديثه لـ «المصري اليوم» بأنها «شريان حياة أساسي للفلسطينيين وبالأخص اللاجئين»، تواجه تحديًا خطيرًا بتعليق عدد من الدول الغربية مساهمتها للوكالة الأممية، في ظرف استثنائي في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودخول الشهر الفضيل.

ووصف المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى الأونروا عدنان أبوحسنة الأوضاع في مجمل قطاع غزة سواء في شمال القطاع الذي يواجه المجاعة أو في الجنوب بـ «الخطيرة»، مشيرًا إلى أن مستويات سوء التغذية للأطفال تحت سن العامين في منطقة شمال القطاع وصلت لـ 31%، وفي الجنوب إلى 28%.

وأوضح في تصريحات خاصة لـ «المصري اليوم» أن إصابات هؤلاء الأطفال تنتج أضرارًا خطيرة لا يمكن استردادها مثل الإصابات العقلية.

وفيما يخص استمرار المساعدات خلال الشهر الفضيل، قال أبوحسنة «نحن نواصل العمل في مختلف المناطق» مضيفاً «لكن حجم المساعدات بسيط مقارنة بالاحتياجات».

وأكد أبوحسنة أهمية دور الأونروا خلال شهر رمضان مشيراً إلى أن «الناس تعتمد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأونروا مثل المعلبات والمياه»، لافتاً إلى تعطل الخط التجاري في غزة وأن بضائع لا تدخل السوق، مما أدى لارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

وتابع المتحدث باسم الأونروا: «معروف في شهر رمضان الاحتياجات تكون كبيرة في المجتمعات العربية والمسلمة استهلاكها في شهر رمضان يتضاعف لكن للأسف لم نستطع خلال هذا الشهر أن نقدم ما نقدمه في الأيام العادية وحجم ما نقدمه لا يزال بسيط ولا يفي بالاحتياجات».

ويأتي ذلك فيما تواجه الأونروا أزمة مالية خانقة عقب قطع عدد من الدول مساهمتها للأونروا، ومنذ 26 يناير الماضي، قامت 16 جهة مانحة على الأقل في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من حلفائها الغربيين بقطع المساعدات عن وكالة الأونروا، ويوجد سبعة من بين أكبر 10 مانحين، وبلغت إجمالي مساهمات تلك الجهات في 2022، ما قيمته 777 مليون دولار من أصل 1.17 مليار دولار أمريكي إجمالي المنح مما يمثل 66.22% من ميزانية الوكالة.

وأعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، والسويد، واليابان، وسويسرا وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا وهولندا وإيطاليا والنمسا وفنلندا ونيوزيلندا وأيسلندا واستونيا ولاتفيا ورومانيا وليتوانيا، تعليق مساعداتهم للأونروا، وفق حصر مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في بيان لها.

وأوقف فعلياً نحو 450 مليون دولار بحسب ما صرح المتحدث الأونروا عدنان أبوحسنة في حديثه لـ«المصري اليوم»، كما حذر المفوض العام لـ«الأونروا»، فيليب لازاريني من أن الوكالة ستضطر لوقف عملياتها في أبريل حال استمر تعليق التمويل.

لكن مع دخول الشهر الفضيل ضعف الحصار المالي المفروض على الأونروا، عقب إعلان والسويد وكندا واستراليا والدنمارك استئناف تمويل الوكالة الأممية، لكن مساهمات تلك الدول محدودة مقارنة بـ المانحين الكبار.

وتأتي تلك الخطوات بعد مزاعم إسرائيل بأن 12 من موظفي الوكالة شاركوا في هجوم حماس في 7 أكتوبر، كما تدعى إسرائيل أن 10% من موظفي الأونروا في قطاع غزة ينتمون لحركتي حماس والجهاد الإسلامي التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمات إرهابية.

فيما أعلنت الأمم المتحدة إنهاء خدمة 9 من موظفي الأونروا، ويتم التحقق من هوية اثنين آخرين، كما أمر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة برئاسة كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة لتقييم «حيادية» الوكالة.

يقول الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أن ما تقوم به إسرائيل هو «استهداف سياسي للوكالة، ليس له علاقة بالإرهاب ولا من قريب أو من بعيد»، محذراً في حديثه لـ «المصري اليوم» من أن إسرائيل تريد فرض ترتيبات سياسية واقتصادية قبل وقف الحرب لتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة، وعبر استهداف أكبر وكالة إغاثية في القطاع.

ويتميز وضع اللاجئين الفلسطينيين بخصوصية فريدة، مع ولادة ملف اللاجئين الفلسطينيين من رحم القضية الفلسطينية ذاتها، فأصبح مسألة تسوية أوضاع اللاجئين جزء لا يتجزأ من حل القضية، حتى أنها تأتي بعد القدس التي يتنازع كلا طرفي الصراع حول سيادته عليها واعتبارها عاصمة له.

وخلال نكبة 1948، هجرت قوات الاحتلال الإسرائيلية ما يتراوح من 750 800 ألف لاجئ فلسطيني، نزحوا من قراهم إلى الدول العربية المجاورة والأراضي الفلسطينية التي ظلت خارج السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي 11 ديسمبر 1948، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194، الذي عُرف باسم «حق العودة»، ونص على «وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر».

وفي عام ديسمبر 1949، وافقت الجمعية العامة على إنشاء وكالة الأونروا، وبدأت نشاطها في 1950، لتقديم مساعدة وحماية اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيشون في مخيمات موزعة بين الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأردن وسوريا ولبنان.

لكن ذلك لم يحل قضية اللاجئين، بل أزداد الوضع سوءاً مع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، مع تهجير ما يقارب 300 ألف فلسطينيًا، وبعد حرب 1967، أكد مجلس الأمن الدولي – التابع للأمم المتحدة على وجوب «تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين»، في قراره رقم 242.

يوضح الرقب أن وجود الوكالة يعد آخر «عناوين اللاجئين وأخر عناوين حق العودة، وبالتالي إقفال هذه الوكالة بالنسبة للاحتلال يعد إنجاز»، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي هو إسقاط حق العودة.

وفي بداية التسعينيات مع بدء مسار حل القضية الفلسطينية بتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 التي نصت على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل واعتراف إسرائيل بالمنظمة كسلطة شرعية للشعب الفلسطيني، عادت قضية اللجوء للطاولة من جديد.

ونصت المادة الخامسة من اتفاقية أوسلو على عقد مفاوضات الوضع الدائم، لحل باقي القضايا العالقة وكان على رأسها بالترتيب: «القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيرانهم، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك».

لكن مسار المفاوضات لم يكلل بالنجاح، مما ترك ملف اللاجئين عالقاً، كمصير الدولة الفلسطينية، وتقدر لوزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن 70 % من الشعب الفلسطيني في العالم من اللاجئين.

ومنذ 26 يناير مع تعليق واشنطن المساعدات شهدت الساحة الدولية تغيير في لهجة التصريحات ضد الأونروا، وأعلن الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر الممولين للأونروا أنها لن تقدم أي تمويل إضافي للأونروا حتى نهاية شهر فبراير، في انتظار التحقيقات، قبل أن يغير لهجته ويحذر على لسان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من وقف تمويل الأونروا معتبراً أنه «سيكون أمراً غير متناسب وخطيراً»، كما تراجعت فرنسا عن موقفها بوقف تمويل الوكالة، معلنة أنها لم توقف دعم الأونروا بحسب ما جاء على لسان وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه.

فيما اقتصرت مطالب الدول التي علقت دعمها للأونروا حول ضرورة فتح تحقيق، ذهب الخطاب الإسرائيلي لأبعد من ذلك مكرراً مطالبة بـ «إنهاء مهام الأونروا»، زاعماً أن «الوكالة مخترقة بالكامل من قبل حركة حماس»، بحسب ما ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن تلك المطالب ليست بجديدة، وفي 2018 طالب نتنياهو بإغلاق منظمة الأونروا، وأن تحل محلها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، معتبراً أن الأونروا «تديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين»، وذلك حينما كانت الوكالة تواجه ظرف مماثل بوقف تمويلها من قبل أكبر الداعمين الماليين.

وفي أغسطس 2018 أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمويل الأونروا كلياً، لترد الوكالة بإطلاق حملة «الكرامة لا تقدر بثمن»، لسد الفجوة التمويلية التي بدأت مع مطلع 2018 بتقليص واشنطن لدعمها، الأمر الذي وصفته الوكالة بأنه «تحدى مالي غير مسبوق».

واستجابة لذلك قدمت كل من السعودية والإمارات وقطر دعم إضافي للوكالة بقيمة 50 مليون دولار لكل منهم، كما رفعت 40 دولة ومؤسسة نصيبها في تمويل الوكالة.

وبالفعل كان للقرار تأثير على هبوط إجمالي الدعم المقدم للوكالة بشكل عام، فمن 1.2 مليار دولار إجمالي تعهدات الدول في مطلع 2018 انخفض المبلغ إلى 972 مليون دولار في مطلع 2019.

يقول الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أن تلك الأزمة أشد مما حدث في 2018، مشيراً إلى أن دونالد ترامب أقدم شخصياً على تعليق المساعدات، في حين رفض الاتحاد الأوروبي خطوة ترامب بل على العكس رحب الاتحاد بعقد مؤتمرات للمطالبة بتوفير دعم وتغطية الفراغ.

ويضيف في تصريحات لـ «المصري اليوم» أن هذه المرة شهدت مواقف مفاجئة لعدد من الدول مثل فنلندا وسويسرا أن تتبنى الرواية الإسرائيلية دون تشكيل لجنة للتحقيق.

وفي إبريل 2021، تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها بعد تولي الرئيس جو بايدن وأعادت تمويل الأونروا، لكن الأمر لم ينتهي عند ذلك الحد، فلم تكف تل أبيب عن مطالبها بإنهاء مهام الأونروا، كما ظل موقف واشنطن رغم أنها أكبر الممولين، ملتبس .

وفي ديسمبر 2022 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية الأونروا حتى 30 يونيو 2026، بموافقة كاسحة بأغلبية 157 صوتا مقابل رفض صوت واحد إسرائيل، فيما امتناع 10 أعضاء عن التصويت، أبرزهم، الولايات المتحدة، وكندا، والكاميرون.

ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وبيانات الأونروا فإن حوالي 40% من الشعب الفلسطيني يصنف كلاجئ، وكشفت الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عن أعداد الفلسطينيين المقدرة بـ 14.5 مليون موزعين في فلسطين التاريخية والشتات، بينما بلغ عدد اللاجئين 5.9 مليون لاجئ، أي أن 4 من كل 10 فلسطينيين يستفيدوا من خدمات الأونروا كلاجئين.

ويعيش ما يقرب من ثلث اللاجئين الفلسطينيين المسجلين، في 58 مخيما للاجئين الفلسطينيين معترف بها في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وتقدر أعدادهم بأكثر من 1.5 مليون (الذين يعيشون في مخيمات)، بحسب ما يذكر موقع الأونروا.

وعبر خمسة وسبعون عاما، توارث الفلسطينيين صفة اللجوء، وفي عام 1958 تجاوزت أعداد اللاجئين مليون لاجئ، وفي حقبة الثمانينيات تجاوز اللاجئين 2 مليون، وتسارعت وتيرة الزيادة السكانية، تبلغ أعداد اللاجئين في 2013 أكثر من 5 مليون لاجئ، وتقدر أعداد اللاجئين المسجلين حالياً حوالي 5.9 مليون لاجئ، المستفيدين من خدمات الأونروا.

وفي بداية عملها كان يذهب حوالي 69 % من الميزانية لتمويل عمليات الإغاثة، متمثلة في توزيع المواد الأساسية مثل الدقيق والأرز والجبن والصابون، إلى جانب ضافة الملابس والأحذية والفراش والأدوات المنزلية.

ولا تزال الوكالة تقدم مساعدات غذائية، يقول محمد عويس شاب عشريني من قطاع غزة أن الوكالة «تمنح المساعدات الغذائية مرة كل 3 شهور وتكون عبارة عن كيس طحين ونص كيلو سكر ونص عدس وكيلو رز وكيس حليب وزجاجة زيت قلي لكل فرد» مشيراً إلى أن هذه الكمية لا تكفي لأقل من شهر لكنها أفضل من لاشئ.

ومع مرور الوقت توسع دور الوكالة الأممية ليتجاوز الاحتياجات الأساسية، لتشمل قطاعات التعليم والصحة والدعم الاجتماعي والبنى التحتية، وتوصيل المياه للمنازل ونظافة الشوارع.

وتنفق الأونروا حالياً ما يقرب من 58% من ميزانيتها، على التعليم، كما تنفق الأونروا حالياً ما يقرب من 15% من ميزانيتها على قطاع الصحة.

وتخدم الأونروا حوالي 543 ألف طالب في 706 مدرسة تابعة للوكالة الأممية، يعمل فيها 19 ألف معلم، أما في قطاع غزة، فإن ثلث المدارس تتبع لوكالة الأونروا، فمن بين 791 إجمالي عدد المدارس في القطاع يوجد 284 تابعين للوكالة.

«إحنا لولا المدارس الأونروا كان ممكن ما كان لينا فرصة نتعلم بسبب عددنا لأنه مدارس الأونروا كثيرة بغزة وتعليمها أفضل من الحكومية»، يقول عويس في حديثه لـ «المصري اليوم».

كما يتبع الأونروا نحو 140 مرفق للرعاية الصحية، يعمل فيهم 3 آلاف موظف، ليستفيد 1.9 مليون لاجئ فلسطيني من خدمات الأونروا الصحية، وفي غزة يوجد 22 مرفق، يعمل فيه 995 شخص وفق بيانات الأونروا في 2022.

إلى جانب ذلك تعلب الأونروا دور اقتصادي، عبر توفير فرص مستدامة لمنح قروض للاجئين الفلسطينيين علاوة على المجموعات الفقيرة والمهمشة التي تعيش وتعمل بالقرب منهم، وتقدر إجمالي القروض التراكمية الممنوحة نحو 531.41 مليون دولار أمريكي، أما في عام 2022، ومنحت الأونروا 31.5 مليون دولار من بينهم 16.7 مليون دولار، للاجئين الفلسطينيين.

«العمود الفقري لعمليات الإغاثة الإنسانية» هكذا وصفت الوكالة موظفيها في قطاع غزة البالغ عددهم 13 ألف، من بينهم 3 ألاف موظف يواصل عمله حتى الأن، وتواجه الوكالة ظروف صعبة جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي أدى لمقتل 152 من موظفي الوكالة، وتدمير أغلب مؤسساتها في القطاع.

ويعمل لدى الأونروا في مختلف مناطق عملها حوالي 27.7 ألف موظف، فيما يبقى مصير رواتبهم مجهول في حقبة ما بعد الحرب، وتصل نسب البطالة في قطاع غزة إلى 45%، و24% في مجمل الأراضي الفلسطينية، واتفق كل من سليمان ومحمد على أن الوكالة توفر فرص عمل مؤقتة للشباب وأن تعطيل نشاطها يمثل خسارة كبيرة.

وفي ظل تلك الظروف لا يزال مستقبل الوكالة يتلبسه الغموض، وحذرت وكالات الأمم المتحدة من خطورة قرار وقف التمويل، مشيرة إلى أن «لا يملك أي كيان آخر القدرة على تقديم حجم المساعدة التي يحتاجها 2.2 مليون شخص في غزة» وناشدت بإعادة النظر في هذه القرارات.

«هذا قرار خطير للغاية، وستكون له تأثيرات مدمرة على عمليات الأونروا ليس فقط في غزة بل في كافة مناطق التي تعمل بها الوكالة» يقول عدنان أبوحسنة، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في قطاع غزة.

ويضيف أبوحسنة في تصريحات خاصة لـ «المصري اليوم»: «الأونروا لا يمكن أن تكمل عملها دون المساهمات» لافتاً إلى أنه لا بديل عن استئناف الدول لتمويلها، موضحاً أن الوكالة لديها موارد تكفيها لمدة شهر لكن ستكون هناك قرارات صعبة حال عدم رفع هذا الإيقاف، وذكر أبوحسنة أن «تبرعات الدول تشكل حوالي 95% من ميزانية الأونروا فيما تغطى التبرعات الفردية حوالي 5%».

وحول إمكانية أن تعتمد الوكالة على مواردها الذاتية، علق المتحدث باسم الوكالة أنه «لا يوجد أي تمويل ذاتي، لأنها لا تملك أصول أو بنوك أو عقارات فهذا ممنوع في قوانين الأمم المتحدة، فقط الاعتماد على التبرعات بصفة عامة».

وتابع أبوحسنة: «سكان قطاع غزة يعتمدون اعتماداً كليا على وكالة الأونروا، وبالنسبة للمنظمات الأممية الأخرى، وجودها بسيط، لكن العمل الإنساني على الأرض تتحمله الأونروا بالكامل».

وفي السياق نفسه يوضح طارق فهمي أن «إسرائيل تهدف إلى إنهاء دور الوكالة وخلق مؤسسات بديلة، تحت إشرافها أو عبر توسيع دور الوكالات الأوروبية»، في مرحلة ما بعد الحرب.

وحول تأثير تلك المساعي على مستقبل الوكالة علق فهمي «أن العالم ليس الدول الغربية فقط، مرجحاً أن تعيد عدد من الدول تقديم مساعداتها للوكالة، على رأسها الدول الإسكندنافية وفرنسا» والتي أعلنت تراجعها عن تعليق المساعدات، كما أعلنت كل من بلجيكا وإسبانيا والنرويج وعدد من الدول العربية والإسلامية مواصلة دعمهم للوكالة الأممية وإلى جانب تقديم مساهمات إضافية.

لكن هل هناك سيناريوهات بديلة لتفادي تلك الازمة مجدداً ؟، أيمن الرقب يقول إن الفلسطينيين طالبوا خلال السنوات الماضية بأن «تكون موازنة الوكالة من ضمن موازنة الأمم المتحدة ولا تكون موازنة الوكالة مستقلة وبالتالي نهرب من هذه الأزمة».

وأضاف أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني أن بإمكان الدول العربية تجاوز تلك الأزمة إذا أرادت عبر زيادة دعمها للوكالة، مشيراً إلى أن موازنة الوكالة ليست مبلغ كبير، خاصة إذا ما قورنت بحجم الأموال لدى الخليج، مشيراً أن القضية الفلسطينية قضيتهم هم أيضاً.

ولا يزال إسهام الدول العربية ضعيف في تمويل الأونروا، وبلغت إجمالي تعهدات حكومات الدول العربية خلال عام 2022 بـ 61.1 مليون دولار من أصل 1.17 مليار دولار مما يعادل 5.2%، وجاءت المملكة العربية السعودية والكويت وقطر كأكبر المانحين العرب بالترتيب، كما أن إجمالي التبرعات التي حصلت عليها الأونروا من يناير حتى أبريل 2023، بلغ 431 مليون دولار، من بينهم 4.4 مليون دولار من الدول العربية أي ما نسبته أقل من 1%.

وحذر المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني من أن الحصار والجوع والأمراض ستصبح قريبًا «القاتل الرئيسي في غزة»، مشيراً إلى أنه لا يزال بالإمكان تفادي هذا المستوى «المفتعل» الكارثي من الجوع عن طريق إغراق غزة بالغذاء والمساعدات المنقذة للحياة، اذا توفرت الارادة السياسية.

ووسط تلك التجاذبات يظل الضحية الأكبر هو المواطن الفلسطيني، فالأونروا «مقوم من مقومات الحياة في غزة» بحسب ما يصفها الشاب سليمان حسن، فيما يختتم الشاب محمد عويس حديثه معنا قائلاً: «تعليق نشاط الأونروا يعني شطب حقوقنا كلاجئين وشطب حق العودة».



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading