«القصير» تحتفل بليلة النصف من شعبان بـ«مسيرة المحامل»


يحتفل أهالى مدينة «القصير» بمحافظة البحر الأحمر بليلة النصف من شعبان سنويا؛ بتنظيم مسيرة المحامل الموضوعة على ظهور الجمال التي يطلقون عليها تسمية «عيد النص»، ويقصدون بها الاحتفال بليلة النصف من شعبان، والتى تنطلق عقب صلاة العصر من أمام ضريح الشيخ عبدالغفار، وتعد الاحتفالية جزءا من التراث التاريخى لمدينة القصير تتوارثها الأجيال منذ العصر الإسلامى.

جانب من احتفال الأهالى بليلة النصف من شعبان

وانطلقت مسيرة المحامل، أمس، من أمام مقام الشيخ عبدالغفار بشارع الجمهورية ويضم المحمل توابيت خشبية مكسوة بقماش «الستان» ذات ألوان زاهية محملة على عدد من الجمال، يتقدمها المزمار، ويسير خلفها الآلاف من أهالى القصير. واعتاد أهل القصير تسمية منتصف شعبان بـ«عيد النص»: «وهو عيد بلا صلاة، وجماهيريته الأولى وانطلاقه كانت من قبيلة العبابدة وأطفالهم، ويرد أهل القصير التحية لمسرة المحامل في أعداد تتضاعف شيئًا فشيئًا بالانتظار في عودة المحمل. وجرى العرف أن العبابدة يسلمون المحمل كأمانة ويتابعون المسيرة مع من ينتظرهم حتى العودة مع آذان المغرب لنقطة البداية عند مقام الشيخ عبدالغفار اليمنى.. وقديمًا، كانوا يسمون الأطفال الذي يشاركون في المسيرة بـ(عفاريت المحمل)».

وأكد عدد من أهالى القصير لـ«المصرى اليوم» أن مسيرات «المحامل والهوادج» تمتد منذ مئات السنين، ولم تتوقف مسيرات «المحامل والهوادج» الموضوعة على أسنمة «الجمال» التي يحييها أهالى مدينة القصير بالبحر الأحمر إلا عامين ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

ومنذ العصر الإسلامى، مازال الآلاف من أهالى مدينة القصير يحافظون على إحياء الاحتفالات الدينية بطريقتهم الخاصة التي مازالوا يحيونها في المناسبات الدينية الكبرى، حيث يختلف الاحتفال بهذه المناسبة بمدينة القصير عن باقى الاحتفالات التي تتم في مدن البحر الأحمر وباقى المحافظات، حيث يحافظ الأهالى على أحد أهم العادات التراثية الدينية الخاصة بالمدينة التي تتمثل في مسيرات المحامل والهوادج الموضوعة على ظهور عدد من أسنمة «الجمال». وطافت هذه المحامل مختلف أحياء المدينة، ومرت أمام مواقع أضرحة أولياء الله الصالحين، في احتفال يرجع بدايته إلى العصر الإسلامى، حيث جهز الأهالى الهوادج وساروا من كل الفئات خلف الجمال مع أصوات المزمار البلدى خلال الاحتفالات، وينتظر الأطفال والسيدات أمام المنازل لمشاهدة لحظة مرور المحامل للانضمام للمسيرات.

وتجذب هذه المحامل سكان المدينة من مختلف الأعمار من الأطفال والشباب والسيدات، وترافقها فرق الفنون الشعبية والمزمار البلد والرقص الصعيدى بالتحطيب مع موكب من عدد من الجمال، ويستمر موكب المحامل في السير حتى منتصف الليل، ويسير أحد الجمال محمولًا عليه الهودج ويطلق عليه أهالى القصير «المحمل».

ويعود تاريخ هذا الاحتفال حسب المراجع الخاصة بتاريخ القصير إلى أن هذا الاحتفال هو قديم قدم مدينة القصير الإسلامية، والاحتفال بالمحامل ليلة النصف من شعبان من أهم التراث المتوارث في المدينة، وكان يشرف على تجهيز هذه المحامل «والى القصير» خلال فترة حكم العثمانيين والمماليك والفاطميين أو من يتولى إدارة المدينة، ويأتى العديد من سكان مدن المحافظة لمشاهدة هذا الاحتفال.

الدكتور طه الجوهرى، أحد مؤرخى مدينة القصير، أكد أن الاحتفال بمسيرات المحامل من الأعياد الرئيسية في مدينة القصير، ويطلق عليه «عيد المحامل»، وهو يوافق يوم النصف من شعبان، يوم تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وما جعل ذلك اليوم ذا أهمية كبرى بين أبناء مدينة القصير، خاصة مع وصول المحمل الذي كان يحمل كسوة الكعبة المشرفة التي كانت تقليدا متبعا بين سلاطين المماليك في مصر في كل عام.

ويؤكد المؤرخون أن بداية فكرة المحمل الذي ينتقل فيه الكسوة إلى أرض الحجاز أول مرة كانت في عهد شجرة الدر، حيث خرج أول محمل في عهد المماليك، والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يقال إنه كان هودج شجرة الدر.. أما الكسوة فكانت توضع في صناديق مغلقة وتحملها الجمال، ثم يتجه نحو أرض الحجاز.. إلا أن الاحتفال بشكله المميز كان في عهد الظاهر بيبرس، حيث كان سلاطين مصر المملوكية يلقبون بـ«خادم الحرمين الشريفين» ويحمل الهدايا العينية والنقدية إلى البيت العتيق، وكان يغطى بقبة من الجوخ، وكان ذلك الجمل يصاحب قافلة الحج في كل عام بدءا من حج شجرة الدر، زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب في عام 645هـ، أو منذ سلطنة الظاهر بيبرس في عام 670هـ.

ويعتقد البعض أن كلمة المحمل تشير أصلا للهيكل الخشبى المخروطى المحلى بالزينات، وكان مخصصا لجلوس السلطان إذا خرج لأداء الفريضة، ويظل خاليا إن لم يذهب السلطان رفقة الحجيج.

و«المحمل» يطلق في الأصل على الجمل الذي يحمل الهدايا إلى الكعبة، وكان يزين بأبهى زينة، ولما بالغوا في زينته، أصبح الجمل لا يستطيع أن يحمل سوى كسوته، فقد أصبحت كسوة المحمل مع هيكله الخشبى لا تقل عن 14 قنطارا، وصار ما كان يحمل عليه من الهدايا يحمل في صناديق على جمال أخرى.

«أما عن شكل المحمل، فكان عبارة عن إطار مربع من الخشب، هرمى القمة، مغطى بستار من الديباج الأحمر أو الأخضر، وغالبًا ما يزدان بزخارف نباتية وأشرطة كتابية مطرزة بخيوط من الذهب، وينتهى من الأسفل بشراشيب. وللمحمل أربع قمم من الفضة المطلية بالذهب في الزوايا الأربع، ويوضع داخل المحمل مصحفان صغيران داخل صندوقين من الفضة المذهبة، معلقين في القمة، إضافة إلى الكسوة الشريفة، ويوضع المحمل على جمل ضخم يسمى (جمل المحامل) ويتمتع هذا الجمل بإعفائه من العمل بقية أيام السنة.

وكان المحمل يخرج من ميناء عيذاب متجها إلى مكة دون المرور بالقصير. وفى معيته كسوة الكعبة المشرفة، وكان أكثر القوافل تنوعا بما يضمه من حجاج القارة الإفريقية، فإلى جانب حجاج مصر كان هناك أيضًا حجاج من أرجاء المغرب العربى وبلاد التكرور أو ممالك المسلمين بغرب إفريقيا، حيث كانت كسوة الكعبة تمر عبر النيل إلى قوص ثم صحراء عيذاب وبها وادى حميثرة، حيث مدفن الإمام الشيخ أبوالحسن الشاذلى، ثم إلى ميناء عيذاب، شمال حلايب على ساحل البحر الأحمر، وتصل إلى موانئ الحجاز كعادة سنوية من سلاطين مصر هدية لبيت الله الحرام. ومع تخريب عيذاب على يد السلطان المملوكى»بيرسباى»، تحولت التجارة والحج إلى ميناء القصير، ومنه كان يحج ثلاثون ألفا من حجاج مصر وشمال إفريقيا وغربها.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading