«المعرفة والسلطة فى التراث الإسلامى».. سعيد على نجدى يقدم تاريخًا مختصرًا عن «الحركة الإسماعيلية»
يشارك فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2024 كتاب «المعرفة والسُّلطة فى التراث الإسلامى»، للباحث اللبنانى د. سعيد على نجدى، والصادر عن المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات هذا العام. يدور الكتاب بكامله حول الحركة الإسماعيلية، من بداياتها القرمطية حتى تجلّياتها المُعاصرة فى الأغاخانية التى هى امتداد للنزارية فرع قاسم شاه.
عنوان الكتاب، وإن كان أشمل من موضوع الكتاب، إلّا أنّه فى صميمه، إذ إنّنا لا نجد مثالاً على الصلة بين المعرفة والسلطة أجلى من الحركة الإسماعيلية، فى بنيانها النظرى وتاريخها السياسى. هذه الحركة الشيعية بقيت متّقدة منذ العصر الأموى حتى يومنا هذا.
أثناء ذلك نجحت فى الانتشار، بل والغلبة السياسية، والحُكم فى المغرب ومصر وسوريا والعراق واليمن وإيران. كما امتلكت، منذ البداية وعلى طول انتشارها، عمارة نظرية بالغة التفصيل والتماثل والتجدّد، قبالة كلّ مرحلة، والانفتاح على ثقافات العصر ومذاهبه. الإسماعيلية، منذ دعوتها الأُولى ومهما انعطفت بعد ذلك وتعدّدت، فإنّها منذ البداية كانت تنصبّ وتؤسّس جهازاً نظرياً مقابل السلطة، وعلى السلطة. لذا نجد أنّ تاريخها الفعلى هو هذه المزاوجة المستديمة بين البناء النظرى والممارسة التاريخية. الدعوة المرتكزة إلى الإمام كانت، من أوائلها، تصنع يوتوبياتها السياسية بقدر متزايد من الهندسة النظرية، والإعلاء، والمقابلة بين الروحانى والأرضى، وجمعهما فى نظام كونى ورؤية جامعة.
كتاب «نجدى» يتقصّى ذلك، ويعرض له فى مختلف محاوره وأركانه. إنّه على هذا النحو، ذلك المزيج من التاريخ الفعلى والإشراقات الفكرية التى تزاوج الممارسة والظرف السياسيَّين. نحن فى الكتاب نقرأ، فى وقت واحد، هذا التقاطع بين السياقين. الكتاب يتوقّف عند لحظات هذه المزاوجة، وعناوينها الكبرى، التاريخ من البدايات القرمطية حتى الدولة فى المغرب ومصر وامتداداتها فى سوريا واليمن والعراق وإيران، وطبيعة هذه الدولة فى كلّ من مراحلها.
ليس غريباً أن يبدأ سعيد نجدى من النظام الإسماعيلى بهندسته ومراتبه، السابق وهو العقل الكلّى، والتالى وهو النفس الكلّية، الناطق وهو الرُّسل السبعة، الأساس الذى يلى الناطق. لا نقف فقط عند هذا التراتب، فهناك مقابله سلسلة من الأدوار، أدوار النطقاء وهى كبرى، أى أنّ الدور فيها يمتدّ من آدم حتى الإمام الناطق، والأدوار الصغرى للأئمّة المُتمّين، وتتضمّن سبعة بين كلّ إمام ومن سبقه.
هناك أيضاً فلسفة العدد الفيثاغورسية، السبع جمعت معانى العدد كلها، النقباء اثنا عشر، أبدان الحيوانات أربع والطبائع أربع. هناك أيضاً قطب الزمن الإمام، وهو ما قبل العقل. لا يترك الله العالم خالياً من إمام. الإمامة هى باطن مظاهره التنزيل، الأئمّة يعلمون الغيب وهُم فوق الخلق، وقد جعل الله الإمامة فى نهاية الإنسان، وإذا كان الله هو النور، فالإمام هو المصباح. هناك أيضاً التأويل الذى يستخرج من باطن النص نصّاً مقابلاً. القرآن يصبح بالتأويل نصّاً آخر، التأويل يقوم على المماثلة، على معادلة المثل للممثول، الشجرة التى أكل منها آدم مثل للقائم، الحجر الأسود مثل لحوّاء، والشجرة مثل للقائم المنتظر. أمّا بِاسم، فى الآية المعروفة، فهى النفس، والله فيها هو العقل، الرحمن هو الناطق، والرحيم هو الأساس. هكذا فى جملة هذه المقابلات بين الأرضى والنورانى، بين الفوقانى والتحتانى، بين المثل والممثول، بين المراتب العلوية والمراتب السفلية، بين المعانى والأفلاك والباطن والظاهر، تتجلّى الهندسة الإسماعيلية للكون، هندسة يصعد فيها الإلهى إلى الغيب، ليسقط على الإمام الذى هو القطب والمحور.
هذا ما يعنى أنّ الجهاز النظرى، فى تسلسله وتعدُّده وتفرّعه وتماثله، يجعل من الإسماعيلية منبعاً أيديولوجياً وهندسة كونية كاملة.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.