ذاكرة الكتب.. كيف شارك عبدالناصر فى حرب فلسطين؟ الزعيم يجيب بخط يده


فى مايو عام 1948، أرسل الملك فاروق الجيش المصرى إلى فلسطين، وتولى ناصر منصب نائب للقوات المصرية المسؤولة عن تأمين منطقة الفلوجة شمال شرق غزة والتى تقع تحت سيطرة إسرائيل الآن.

وقام الزعيم جمال عبدالناصر خلال وجوده فى جبهة القتال فى فلسطين خلال حرب 1948 بكتابة يوميات عبارة عن سرد لأحداث يومية فى هذه الحرب كتبها بخط يده، وقد نشرت هذه اليوميات أول مرة فى مجلة آخر ساعة فى ربيع سنة 1955، وأعيد نشرها فى كتيب صدر عن مؤسسة الوطن العربى للطباعة والنشر فى باريس فى سنة 1978.

«بعد كل هذا العمر وكل هذه التجارب، فإنه الرجل الوحيد الذى أنا مستعد للانحناء أمامه».. هكذا وصف الأستاذ محمد حسنين هيكل الرئيس جمال عبدالناصر وهو يسلم للأستاذ عبدالله السناوى نسخة مصورة من يوميات جمال عبدالناصر الرسمية والشخصية فى حرب فلسطين عام 1948، فقد أزاح الأستاذ هيكل الستار عن امتلاكه لدفترى اليوميات الشخصية والرسمية لجمال عبدالناصر فى حرب فلسطين عام 1948 فى حلقة من حلقات برنامجه «مع هيكل» على فضائية الجزيرة عام 2008.

يمثل هذا الكتاب وثيقة بالغة الأهمية، فلأول مرة يتاح لنا أن نقرأ وثيقة كاملة متصلة الأحداث بخط يد جمال عبدالناصر، ولم تتح له المعارك التى خاضها طيلة حكمه الفرصة أن يروى لنا سيرته بذاته، لذا يكتسب كتاب يوميات جمال عبدالناصر أهميته الفائقة، خاصة الجزء الخاص باليوميات الشخصية التى كتبها عبدالناصر، فهو هنا يكتب على سجيته ويكتب لنفسه دون أن يعلم الدور الذى تخبئه له الأقدار على مسرح التاريخ والنص بحد ذاته بالغ الأهمية، ولكننا نستطيع عبر قراءة متعمقة له أن نكتشف بعض الخفايا حول تاريخ الرجل العظيم.

كانت القوات النظامية المصرية تحت قيادة اللواء أحمد على المواوى، الذى دفع الكتيبتين الأولى والسادسة مشاة (التى يخدم بها عبدالناصر) فى الساعة السادسة من صباح السبت 15 مايو 1948 للهجوم على مستعمرتى «الدنجور» الواقعة على مسافة 6 كيلومترات جنوب غرب رفح، و«كفار داروم»، اللتين تسيطران على محور المواصلات الرئيسى إلى غزة.

وذكر عبدالناصر أنه «لم يكن هناك وقت لكى تستكشف الكتيبة غرضها الذى ستهاجمه، وكذلك لم تكن هناك معلومات كافية قدمت لها».

«وكان هناك دليل عربى واحد أنيط به مهمة قيادة الكتيبة إلى موقع مستعمرة الدنجور، ولم يكن هذا الدليل يعلم شيئا عن تحصيناتها ودفاعها، وكل الذى قام به هو أن ظل يرشد الكتيبة إلى الطريق، ويدلى لها بمعلومات غير واضحة ولا دقيقة؛ حتى ظهرت أمامها فجأة تحصينات الدنجور».

واستكمل عبدالناصر قائلا: «لم يسترح الجنود بعد الرحلة الشاقة، وإنما اندفعوا إلى الأسلاك، ولم يكن هناك من يعرف ما الذى يجب عمله على وجه التحديد، ولكن المدافعين عن الدنجور كانوا يعرفون حيث أصيبت الكتيبة بخسائر لم تكن متوقعة».

ويتابع «ناصر»: «عند الظهر أصدر القائد أمره بالابتعاد عنها، وعادت الكتيبة إلى رفح؛ لتجد بلاغا رسميا أذيع فى القاهرة يقول إنها أتمت عملية تطهير الدنجور بنجاح».

كان جمال عبدالناصر من موقعه كأركان حرب الكتيبة السادسة بمنزلة الرجل الثانى فى تراتبية القيادة للقوات المحاصرة، وعلى رأسها العميد سيد طه، وروى فى هذه التقارير بدقة بالغة – تتطابق مع ما أوردته المصادر الإسرائيلية بعد ذلك ومنها مذكرات بن جوريون- كيف رفض الضباط المحاصرون عروضاً متكررة للاستسلام ويتضح من اليوميات – دون أن يذكر ذلك صراحة- أنه كان المسؤول إلى حد كبير عن استمرار تماسك القادة رغم انخفاض الروح المعنوية نسبياً للجنود، وهو ما يتضح من الحوار الذى رد فيه على آللون والذى صار فى ما بعد وزيراً للدفاع فى إسرائيل، حين جاء عارضاً على العميد طه فك الحصار والسماح بانسحاب القوات المصرية، فعاجله عبدالناصر بإعلان الرفض. ونستعرض هنا مقتطفات من هذه اليوميات.

حيث تبدأ يوميات عبدالناصر:

«الخميس 3 يونيو:

وصلت إلى غزة ك3 – ك 4

قابلت شفيق معوض.

ذهبت إلى أبوعوف.. وبلغنى أن محمود بك لبيب موجود فى معسكر المتطوعين. ذهبت إلى هناك مع أبوعوف ولكن لم أجده. وفى الطريق إلى غزة قابلته مع الشيخ فرغلى. اتفقنا على أن نصلى الجمعة سوية فى معسكر المتطوعين.

فى الساعة 00:20 سمعنا إطلاق النار فى قطاع «السرية 2».. وظهر أنهم اشتبهوا فى تقدم قوات معادية.

الجمعة 4 يونيو:

كنت أستعد للذهاب إلى محمود بك لبيب عندما صدرت أوامر بالتحرك من غزة إلى أسدود لغيار الكتيبة التاسعة. عينت قائدا لجماعة الاستكشاف. تحركت الساعة 30:13. مريت على دير سنيد لأخذ جماعة هاون وجماعة 6 رطل لنا هناك.

مريت على المجدل.. ووصلت أسدود الساعة 00:16. قابلت عبدالحكيم والرحمانى بك.. مريت مع عبدالحكيم على المواقع الدفاعية.. وكان الدفاع غريبا جدا فهو أشبه بالنقط الخارجية.

لا يوجد احتياط مطلقا من الفصيلة إلى اللواء. الجماعات على خط واحد.. فواجهة الكتيبة حوالى 4 كيلو. قابلت خليف وهين ومصطفى حامد.. وكان كل شىء هادئا. عرفت من عبدالحكيم أن هذا الهدوء نادر وأن الوضع الدفاعى عبارة عن دائرة من كتيبتين تحيطها المستعمرات من كل جهة تقريبا وأن المناوشات الليلية مستمرة.. وحكى لى عن هجوم اليهود ليلة 2-3 يونيو بقوات كبيرة والخسائر التى تكبدوها. وذهبت إلى محل الهجوم.. وكانت الرائحة لا تطاق.. والمخلفات التى تعبر عن العار. وهذه النقطة هى أقصى ما وصل إليه الجيش حتى الآن شمال أسدود. إن الخط الدفاعى ليس به عمق ولا احتياط وهو عبارة عن موانع نقط خارجية فيه ثغرات تسمح بالتسلل ولا يوجد أسلاك أو أى تحصينات سوى الحفر.

السبت 5 يونيو:

وصلت الكتيبة السادسة الساعة 00:11. وقابلها أحد الضباط عند أول أسدود واستلمت محلاتها.. وقد بلغنا القائد والضباط أن الموقف هنا يختلف جدا عن غزة.. فنحن محاطون بالمستعمرات من جميع الجهات ونشاط العدو ملحوظ. وبقيت فى مركز رئاسة الكتيبة فى إحدى الحدائق المجاورة للطريق.. واستمر كل شىء هادئا».

اليوميات طويلة وتحتاج إلى صفحات وصفحات لسردها بعين القارئ هنا.

لكن فى الختام ستظل تلك اليوميات الشخصية لجمال عبدالناصر وثيقة بالغة الأهمية عن شخصيته وتكوينه، فهذا الكتاب الذى يحمل بين دفتيه يوميات الضابط المقاتل جمال عبدالناصر سيظل واحدا من أهم الكتب التى صدرت عن الرئيس عبدالناصر، لأنه يحكى فيها تفاصيل دقيقة بقلمه شخصيا.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading