طارق العمراوى يكتب: جدل الحضارات من خلال «الوصل بين الضفاف»


صدرعن دار الأمينة للنشر والتوزيع كتاب للدكتور توفيق بن عامر تحت عنوان «الوصل بين الضفاف: منهج نقدى فى الأدب والفكر والحضارة»، توزع على عدة فصول وإضاءة: فى الأدب والنقد ثانيا الفكر النقدى ثالثا فى الفكر والمعتقد وآخرهم فى الحضارة والتاريخ.

حضر الباحث بثقله المعرفى وبمعاوله وأدوات تحليله وهو يقدم ويعالج المسائل والإشكاليات الحضارية العالقة والتى ما زالت تتطلب الطرح الإشكالى والمساءلة المعرفية. اشتغل الباحث على مدونة ممتدة فى الزمان والمكان وتقاطعت مع كبرى الحضارات.

المعاول المعرفية للباحث

تحرك الباحث ضمن مصادر متعددة ومراجع هامة تخدم المباحث التى أراد ولوجها والتنقيب فيها. وكانت أدواته تقصية المراجعات الجادة والتحليل العميق والمقارنات التى يطلبها تفكيك الظاهرة، مع التأمل والتدبر والاستقراء والاستقصاء. وتقديم وجهات نظر الآخرين ووجهة نظره كلما تشكّلت لديه الرؤية عبر تقديم رؤيته وتصوره كتأسيس رؤية دينية واجتهادية جديدة أو تقديم رؤى غيره، كتصور محمد الطالبى وقراءته السهمية للقرآن والطرح الإشكالى والتساؤل وهو يناقش عدة مسائل مازالت تثير التساؤل والنقاش والتحاور حولها، وكان نقده منصبا على الفكرة التى يدافع عنها صاحبها أو أصحابها أو نقد تكتل أو تجمع أو مجموعة.

إذ يقول فى صفحة 127 «وقد كان أول طرح لهذه المراجعة إبان عصر النهضة وقبيل سقوط الخلافة العثمانية على يد زعماء الحركة الإصلاحية ولكنه كان طرحا تلفيقيا يهدف إلى الجمع والتوفيق بين مقولات ومؤسسات شرعيتين مختلفتين دينية قديمة وسياسية حديثة دون اعتبار لأصولهما التاريخية وللسياقات الحضارية التى أفرزتهما»، أو القول «فبالرغم من وجاهة المستندات التى اعتمدها فقهاء السنة» مثمنا بذلك الطرح والرؤية.

وتعامله النوعى مع التاريخ فى أكثر من مثال ففى طرحه لإشكالية «من المشافهة إلى التدوين» يقول صفحة 138 « بينما الواقع التاريخى يكذب ذلك»، كما تجاوز العرض التاريخى الرتيب لتوخى مقاربة نظرية فى حديثه عن التصوف فى تونس ليقترح منوالا تحقيبيا يخدم طرحه مع أهمية تتبع الصيرورة التاريخية فى حركة التدوين مثلا ويتقاطع فى أهمية التاريخ القصوى مع عبدالله العروى ومنهجه الخاص الذى انتصر فيه للتاريخ ليكون التاريخ فى الأخير هو متنه الذى اشتغل عليه متفحصا ناقدا وعارضا وصاحب رؤية وتفكير.

الدكتور توفيق بن عامر

عالم المفاهيم والمنهج:

كان الباحث حريا وجريئا فى نفس الوقت حريا عبر التدقيق المفاهيمى فى أهم العناوين التى اشتغل عليها وقدم فيها تصوره العام وبحث فى تاريخها وتطورها وتشكلها، بل طالب فى كتابه بتصحيح المفاهيم المركزية والأساسية كمفهوم الحرية والجهاد والعلمانية وقدم نموذج الباحث والمفكر عبدالله العلوى إذ يقول صفحة 62 «وكان مدخله المفضل للخوض فى تلك القضايا الحرص على تدقيق المفاهيم وتفكيكها وتحليلها قبل المضى فى استعمالها والاشتغال بتوضيح الآليات المعرفية الضرورية للتواصل والتفاهم».

أما عن المناهج فانطلق فى تقديم منهج المقاربة المقارنية وتاريخها وعقبات تطبيقها وأفق عملها وتقاطعها مع النظريات الأخرى وأهدافها والنموذج العربى لهذه المقاربة، كما بحث فى الأزمة المنهجية فى علم أصول الفقه والتى كانت أحد أسباب بروز مقاصد الشريعة كبديل ورؤية جديدة.. كما قدم التاريخانية كمنهج وفلسفة فى التفكير لدى عبدالله العروى مع مناهج تفكير الغربيين وعلماء المسلمين فى تقاطعهم مع الحضارات الأخرى.

جدل الحضارات: الضرورة والتفاعل

لطالما قدم التاريخ العديد من النماذج التى تمت فيها المثاقفة وجدل الحضارات فحصلت الإضافة فى كل المجالات خاصة الفكرية والأدبية، إذ يقول الكاتب ص18 «فالتقافات والحضارات فى حاجة ماسة إلى التواصل والتلاقى والتعارف وهى بقدر ما تستفيد من ذلك التواصل والاحتكاك تتضرر من الانكماش والانعزال».

ولنا فى كبرى الحضارات مثال يقول عنه الكاتب ص 18-19 «ففى كل فترة نهضة تسعى الثقافة المحلية إلى الاغتناء بالثقافة الأجنبية كاستفادة الثقافة اللاتينية من اليونانية واقتباس الثقافة الأوروبية الحديثة من اليونانية واللاتينية وكاغتناء الثقافة الغربية بالثقافة العربية الإسلامية عبر صقلية والأندلس وعبر المشرق إبان الحروب الصليبية».

غلاف الكتاب

وأهمية حركة الترجمة والتعريب فى كل هذه الحضارات وحلل الباحث فى هذا المضمار وعبر مثال تطبيقى نص «ألف ليلة وليلة» الذى ترجم عن طريق المستشرقين من جنسيات مختلفة لينتبه العرب إلى هذا النص النوعى الذى أثر أولا فى الغربيين ليؤثر بعد ذلك فى المشارقة ومنهم توفيق الحكيم وطه حسين الذى تأثر بأحدهم عندما قال الكاتب ص36-37 «ويبدو أن الشاعر الفرنسى هنرى دى رونييه قد كان له تأثير كبير فى أواخر الثلث الأول من القرن العشرين على كل من توفيق الحكيم وطه حسين وذلك بعد اطلاعهما على كتابه رحلة الحب أو ترمل شهرزاد الذى ألفه سنة 1930»، وتأثرطه حسين برواية zadig أو القدر لفولتير.

كما ساهمت الترجمات فى إثراء المشهد العربى بعد التدوين وتعدد الجنسيات والحضارات على أرض الإسلام، كما أثرت الحياة الحضارية المختلفة فى تفكير محمد عبده وغيره ومع زعماء الإصلاح عندما شاهدوا التطور المعرفى والسياسى بالغرب وتفاعلهم مع قيم العدالة والحرية وأهمية المؤثرات الإقليمية والدولية بعد ذلك بل سطوة القوى الأجنبية والعمل على تنفيذ مخططاتها.

وفى نفس الحضارة وأمام امتداد مساحة الحكم كان الجدل حاضرا وقدم دليلا واقعيا مقنعا فى حديثه عن التجربة الصوفية بتونس إذ يقول ص 180 «وجود مؤثرات خارجية تجسمت فى اللقاء على أرض إفريقية بين ثلاثة تيارات صوفية وافدة من المشرق ومن المغرب ومن الأندلس».

تتعدد الفواعل الحاضرة والمؤثرة فى الفعل الحضارى ومنها السياسة التى رافقت عصور النهضة والتقدم شرقا وغربا وقد عدد منها الباحث فى الأزمنة القديمة والحاضرة، كاعتبار الطرق الصوفية والمشهد عموما من مظاهر التخلف زمن الدولة الحديثة بتونس ولئن قاوم المرابطون التصوف ورجالاته ومدارسه وزوايا نظره إلا أن الموحدين دعموا هذا التوجه زمن حكمهم.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading