مصطفى وعلى أمين.. مسيرة صحفية حافلة


فى فبراير الجارى تحل الذكرى الـ 110 على ميلاد التوأم «مصطفى وعلى أمين»، والذان أسّسا مدرسة صحفية رائدة فى مصر جريدة: «أخبار اليوم» التى ولدت عملاقة منذ صدور عددها الأول لتحدث ثورة فى عالم الصحافة، وكتب على صفحاتها عمالقة الفكر والصحافة والفن. وكانت بمثابة نقلة لمؤسسة صحفية انبثق عنها العديد من المجلات والصحف المتعددة المجالات.. أنها حياة مليئة بالمواقف عاشها «مصطفى وعلى أمين»، فهما يمثلان بمثابة حقبة كاملة من تاريخ مصر.. عاشا ثورتين كبيرتين، ثورة 1919 وثورة 1952، وشاهدا حربين عالميتين، وعاينا نتائج الحربين التى غيرت حياة البشر، وعاصر «التوأم» عددًا من عباقرة الشرق وساسته ونجومه وأبرز من فيه. وراقبا تحرر الشعوب من القفص الذى سجنه الاستعمار فيه.

مصطفى وعلى أمين وكامل الشناوى مع أم كلثوم

ولد «التوأم» فى 21 فبراير 1914، وكان والدهما «أمين يوسف» محاميًا كبيرًا، أما والدتهما فهى ابنة أخت الزعيم سعد زغلول، ومن هنا انعكست الحياة السياسية بشكل كبير على حياة الطفلين، حيث نشآ وترعرعا فى بيت زعيم الأمة.. كما أن جدهما الشيخ أمين يوسف، أحد زعماء المقاومة فى دمياط، سجنه الإنجليز بعد فشل الثورة العرابية، وحكموا عليه بالنفى خمس سنوات.. وعلى أهمية هذه المناخ فى حياة «التوأم» أكد مصطفى أمين، فى كتابه «من واحد لعشرة»: كان من حسن الحظ أنى كنت قريبًا من قائد الثورة الأولى سعد زغلول بحكم مولدى، ومن قائد الثورة الثانية جمال عبد الناصر بحكم عملى. عاش «التوأم» فترة من صباهما فى مدينة دمياط لظروف عمل والدهما. فى كتاب «مسائل شخصية» ذكر مصطفى: «دخل على القسم العلمى ومصطفى القسم الأدبى، سافر على أمين إلى إنجلترا لدراسة الهندسة، وسافر مصطفى إلى أمريكا لإكمال دراسته، فالتحق بجامعة جورج تاون، ودرس العلوم السياسية، وحصل على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف الأولى عام 1938، وكان والده وزير مصر مفوضًا فى واشنطن. وعاد «على» إلى مصر وعمل سكرتيرًا خاصًا لوزير الأشغال حسين سرى باشا، ثم أصبح مديرًا لمكتب وزير المالية عام ١٩٤٢، وعام ١٩٤٣ مديرًا عامًا للمستخدمين والمعاشات. وبعد حصول «مصطفى» على الماجستير عاد إلى مصر، ولعشقه الصحافة، أصدر مع أخيه «على» العديد من المجلات، إلى أن جاء عام 1944 ليحققا الحلم بإنشاء جريدة «أخبار اليوم» لتكون على غرار دور الصحف الأوروبية.

غلاف الكتاب

وارتبط «التوأم» ببعضهما كما يتضح من رسائل كتاب «سنة أولى سجن»، إذ قال مصطفى فيه: «إن على أمين أكبر منى بخمس دقائق، ومع ذلك فإننى أشعر بأنه ابنى الصغير.. أخاف عليه إذا ابتعد عن ناظرى. ألتاع عندما أتصور خطرًا يهدده. أتعذب إذا مرض.. ورزق كل واحد منا ببنتين، ولم نرزق أولادًا، ولم نشعر فى يوم ما بحاجتنا إلى ولد، وأن كل واحد منا يحس بأن أخاه هو ابنه.. كما قال فى رسالة أخرى لأخيه تحت عنوان «أحفر طريقى إلى الفجر بدبوس» أنا لا أعتمد على خطاباتك المكتوبة، إننى أتلقى منك رسائل روحية كل ليلة، كل ساعة، إننى أشعر بأنك معى فى زنزانتى، عزائى أن نصفنا حر.

غلاف الكتاب

وكان إصدار الصحف فى أول هوايتهما لعبة، كما كانت هواية السياسة لعبة أخرى.. كانا يتتبعان تأليف وسقوط الوزارات.. ويتابعان السياسيين فى اهتزازهم فوق المسرح السياسى.. وأصبح حماس الولدين الصغيرين للسياسة والصحافة هوى جارفا فى سن العاشرة، حيث أصدرا مجلة «الحقوق» ومجلة «التلميذ» و«الأقلام»، ثم اشتركا فى تحرير مجلة «الرغائب» ١٩٢٩.. لكن جميعها أُوقفت بسبب النقد الذى توجهه هذه الصحف والمجلات للحكومة فى الفترة الملكية، وواجه مصطفى أمين الاعتقال السياسى عشرات المرات، إما بسبب مشاركته فى المظاهرات الشعبية فى فترة الاحتلال البريطانى، وأحيانًا مشاركته فى التظاهرات الطلابية، أو بسبب مقالات النقد اللاذع فى الصحف، آخرها الاعتقال السياسى الذى واجهه مصطفى أمين فى عام 1965.

وتولى مصطفى أمين رئاسة «آخر ساعة» فى ١٩٣٨، وقد حكم عليه بالسجن مع الشغل لمدة ٦ أشهور، وتم تعطيل مجلة «آخر ساعة» لمدة ٣ شهور بتهمة العيب فى ذات ولى العهد الأمير محمد على. تولى رئاسة تحرير مجلة «الإثنين»، التى أصبحت أوسع المجلات انتشارًا، وذلك فى عام ١٩٤١، وكانت البداية الحقيقية له فى عام 1944، إذ بدأ التفكير فى إصدار صحيفته وذهب إلى على ماهر، رئيس الوزراء ووزير الداخلية، يطلب ترخيص إصدار صحيفة سياسية باللغة العربية باسم «أخبار اليوم»، وبدأ فى اتخاذ الإجراءات القانونية لإصدار الصحيفة فى 22 أكتوبر 1944،، وشهد مولد حلم «أخبار اليوم» على يد «التوأم» يوم السبت 11 نوفمبر، ليشهدا صدور أول أعدادها، ولدت عملاقة لتحدث ثورة فى عالم الصحافة.. وفى عددها الأول قدر لها أن تكون أولى صحف الشرق الأوسط، حيث وزعت 110 آلاف نسخة، وهو أكبر عدد وزعته جريدة يومية أو أسبوعية فى الشرق الأوسط آنذاك، واستقطبت الصحيفة كبار الكتاب آنذاك، مثل: محمد التابعى، وتوفيق الحكيم، وكامل الشناوى، ومحمد حسنين هيكل، وجلال الحمامصى، ثم جاء بعدهم عشرات الكتاب، ثم اشترى «التوأم» مجلة «آخر ساعة» وأصدرا مجلة «آخر لحظة» ومجلة «الجيل الجديد» عام ١٩٥١، واستطاعا أن يكونا علاقات صداقة عديدة بالسياسيين والمشاهير والفنانين، كان أشهرها مع الفنانة أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وغيرهم.

وبعد نجاح جريدة «أخبار اليوم» الأسبوعية، أصدر الأخوان جريدة «الأخبار» اليومية سنة 1952، وعندما تم تأميم مؤسسة «أخبار اليوم» مثل بقية الصحف المصرية فى عام 1960، لم يتقلص دور التوأم بعد قرارات «تنظيم الصحافة».. إذ أكد الكاتب والناقد والمؤرخ غالى شكرى فى كتابه «من الأرشيف السرى للثقافة المصرية»: يعد علِى ومصطفى أمين من أصحاب التجارب الفارقة والنوعية فى تاريخ الصحافة المصرية، بل والعربية، ويصح أن نؤرخ للصحافة بما قبل مصطفى وعلِى أمين وبما بعدهما. وكان من الطبيعى أن يتقلص دور التوأمين بعد قرارات «تنظيم الصحافة» التى تشبه التأميم. خاصة وقد توالى على الدار رؤساء مجالس إدارة من أمثال كمال رفعت، وخالد محيى الدين، ولكن تقلص الدور الإدارى للتوأم لم يتسبب فى غيابهما أيديولوجيا. وكان موسى صبرى وأنيس منصور- على وجه التحديد- هما أكثر التعبيرات أصالة عن فكر «أخبار اليوم».

وتعرضت شجاعته للامتحان.. ولكنها لم تتعرض أبدًا للهزيمة، لقد اختفت الحقيقة تسع سنوات فى السجن، ولكنها لم تمت.

اعتاد مصطفى أمين أن يصنع من الأحداث والناس أخبارًا فى الصفحة الأولى.! ماذا حدث؟.. متى؟، وأين؟، وكيف؟، ولماذا حدث؟، وعندما قبض على «مصطفى» اختلف الأمر اختلافًا كبيرًا فى هذه المرة، أصبح مصطفى أمين هو نفسه المبتدأ والخبر، والضحية. لكن فى هذه المرة أصبح عليه أن يحتفظ بالحقيقة سجينة معه فى الزانزانة لمدة تسع سنوات.. سجل تجربته القاسية فى المعتقل السياسى فى كتابه «سنة أولى سجن». ولمصطفى أمين العديد من المؤلفات الأدبية والصحفية، منها «لا» و«سنة أولى سجن» وتحولت روايته «سنة أولى حب» إلى فيلم، ثم تحولت رواياته (لا)، و(الآنسة كاف) إلى تمثيليات إذاعية، ثم تليفزيونية، كما ألف للسينما فيلمى (معبودة الجماهير)، و(فاطمة).

كما ألف على أمين فى عام 1951 كتاب «كيف تحكم مصر»، وصدر فى سلسلة كتاب اليوم وأحدث الكتاب ضجة هائلة، أنه تحدث بصراحة مذهلة عن كيف تحكم مصر وما يجرى من وراء الستار وعن الصراع بين الأحزاب وعن الخلافات بين السياسيين وعن فساد الحكم.. وقرأ جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم هذا الكتاب عقب قيام الثورة وذهلوا، لأن كل ما تنبأ به على أمين حدث بالحرف الواحد. ومن أهم مؤلفاته الأخرى هى: أفكار للبيع- هكذا تحكم مصر- دعاء على أميـن- يا رب- من فكرة لفكرة.

وعاد «على» بعد وفاة عبدالناصر، فى سبتمبر عام ١٩٧٠، ثم أصدر «السادات» فى 1974 قرارًا جمهوريًا بالعفو عنه، وتم تعيينه فى نفس العام رئيسًا لتحرير «أخبار اليوم»، ومصطفى أمين رئيسا لتحرير «أخبار اليوم»، وبعد حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ أصدر السادات قرارًا بتعيين على أمين رئيسًا لتحرير «الأهرام»، وفى مقاله اليومى فكرة طرح على أمين فكرة الاحتفال بعيد الأم يوم ٢١ مارس إلى أن توفى فى ٣ إبريل مارس ١٩٧٦.. اقترح مصطفى الاحتفال بعيد الحب فى يوم 4 نوفمبر.

بدأ مصطفى أمين مرحلة جديدة فى حياته، بعد وفاته توأمه، إلا أنه لم يتوقف عن ممارسة مهامه الصحفية بجانب الإنسانية، فقد أصبح كاتبًا متفرغًا لعموده اليومى (فكرة) بالأخبار وأخبار اليوم، كما أصبح مشرفًا على عدد ضخم من المشروعات الإنسانية التى أنشاها هو وتوأمه. إلى أن توفى فى 13 إبريل 1997 بعد حياة حافلة ليلحق بتوأمه.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading