معرض القاهرة الدولى للكتاب.. تاريخ ومواقف وأحداث وتجسيد لريادة مصر ومكانتها الثقافية فى الشرق الأوسط


تنطلق غدًا الأربعاء 24 يناير فعاليات الدورة لـ 55 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، والذى يعد من كبرى الفعاليات الثقافية فى الشرق الأوسط. تنطلق الدورة الجديدة تحت شعار «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة» وذلك بمركز مصر للمعارض الدولية، وتم اختيار اسم عالم المصريات الدكتور سليم حسن شخصية المعرض، واسم الكاتب يعقوب الشارونى شخصية معرض كتاب الطفل.

معرض الكتاب َصورة أرشيفية»

يعد معرض القاهرة الدولى للكتاب أكبر تجمع لدور النشر والمفكرين والأدباء والصحفيين والمشاهير من كل صوب وحدب، إذ يجسد هذا الحدث ريادة مصر ومكانتها بين دول العالم، إلى جانب تجسيده لأهم معالم الهوية المصرية بمشتملاتها الثقافية والتراثية المتعددة.

خلال افتتاح أول معرض للكتاب

يعود تاريخ هذا الحدث العالمى لـ 20 يونيو عام 1946، وأطلق عليه (معرض الكتاب العربى)، حيث بدأ سطوعه بالقاهرة كمشروع قومى عربى يجمع الشعوب العربية تحت لواء العلم والمعرفة فى ظل ريادة مصرية تأخذ بيد الجميع نحو التقدم بحضور وزير المعارف العمومية وقتها ونخبة من كبار رجال الدولة بالإضافة لرواد العلم والفكر والأدب، وكان المعرض فى ذلك الوقت يحتوى على قسم للكتب العربية بالإضافة لقسم للكتب العربية المطبوعة فى أوروبا وأمريكا، وكان وزير المعارف هو المسؤول عن ذلك التقليد. ويعد أسبوع الكتاب «الأب الروحى» لمعرض الكتاب بشكله الحالى، وقد تم إنشاء المعرض فى ظل سياسة ثقافية تشجع صناعة ونشر الكتاب على كل المستويات.

الوزير ثروت عكاشة فى افتتاح المعرض

وقد تم افتتاح أسبوع الكتاب العربى الأول فى القاهرة، فى الفترة من 19 أكتوبر إلى 26 أكتوبر 1963، بحضور وزير الإرشاد القومى الدكتور عبد القادر حاتم.

ومن اللافت للنظر أن أسبوع الكتاب العربى نجح نجاحاً كبيراً، لدرجة أنه تقرر مد أجله أسبوعاً آخر!! ثم عقد معرض الكتاب العربى عام 1964، وسط إقبال كبير، بإطلاق اسم «مهرجان الكلمة العربية» و«عيد الثقافة» على هذا الحدث المهم.

سهير القلماوى

وبلغة التاريخ الموثقة يمكننا القول بأن بدايات هذا الحدث العالمى خرجت من أرض الجزيرة بالقاهرة فى 22 يناير عام 1969 تزامناً مع مرور 1000 عام على تأسيس مدينة القاهرة، حيث اقترح الفنان عبد السلام الشريف فكرة إنشاء المعرض على الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة آنذاك، مؤكدًا ضرورة وأهمية إنشاء ملتقى ثقافى كمعرض الكتاب، على غرار سوق الكتاب فى ليبزيج السنوى، بنسخة عربية، وهو ما لاقى ترحيباً من د. ثروت عكاشة، والذى عهد إلى الدكتورة سهير القلماوى بالإشراف على المعرض، حيث نجح نجاحاً كبيراً، وشهدت أروقته مشاركة أكثر46 ناشراً يمثلون 32 دولة من أووبا وأمريكا وآسيا والدول العربية. واستمرت فعالياته ثمانية أيام، واعتاد أن يزور المعرض الدولى للكتاب قادة الجيش ورؤساء الدول والمشاهير من الأدباء والمثقفين.

سليم حسن

وعن المحطات الفارقة التى مرت بالمعرض طوال هذه السنوات منها معارضة إسرائيل للمشاركين فى المعرض فى دورته الأولى عام 1969، ومنع كتبهم من إسرائيل. وفى 31 يناير 1981 شهد معرض القاهرة للكتاب احتجاجات شعبية ضد اشتراك إسرائيل واعتقال صلاح عيسى وحلمى شعراوى، وكان المعرض فى ذلك الوقت برئاسة الشاعر صلاح عبد الصبور باعتباره رئيسا للهيئة المصرية العامة للكتاب، وحدث أن استفز حضور السفير الإسرائيلى جمهور المشاركين بالمعرض، وتم إنزال العلم الإسرائيلى بالقوة، وتحولت ساحة المعرض منذ اللحظات الأولى لحرب إعلامية ضد إسرائيل، وتوالت البيانات من أحزاب التجمع، والعمل، والأحرار، ودعت البيانات إلى المطالبة برفع العلم الفلسطينى على جميع دور العرض.

صلاح عبدالصبور

وتجددت الأزمات التى تعرض لها المعرض، ففى سنة 1985 خصص القائمون على المعرض جناحا خاصا لإسرائيل، واحتج الكثير من المثقفين على اشتراك إسرائيل فى المعرض، وقال فؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد آنذاك فى هذا الصدد: كيف تسمح الحكومة المصرية باشتراك إسرائيل التى تنشر كتبها الكاذبة وتقف أمام مصالح الدول العربية؟ وطالب «سراج الدين» الحكومة المصرية بنشر صور توضح المذابح التى تقوم بها إسرائيل مع فلسطين.

أول تغطية صحفية عن معرض الكتاب

من جهته ندد المؤرخ الدكتور عبدالعظيم رمضان بفكرة مقاطعة معرض القاهرة الدولى للكتاب التى دعا إليها كبار الأدباء وهيئات وطنية بسبب اشتراك إسرائيل، وقال ثروت أباظة رئيس اتحاد الكتاب آنذاك: «ليس هذا الكاتب من مصر ولا هو يمكن أن يكون إلا بلا وطن».

سمير سرحان

وفى أوج تصاعد حدة الإرهاب فى مصر، أعلنت الهيئة العامة للكتّاب، برئاسة الدكتور سمير سرحان، عن مناظرة فى معرض الكتاب تحت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية» وانقسم فيها الحاضرون إلى فريقين، الأول إسلامى التوجه ويضم الشيخ محمد الغزالى، ومرشد الإخوان مأمون الهضيبى، والمفكر المصرى محمد عمارة، وضم الفريق الثانى فرج فودة ومحمد خلف الله، أحد أعضاء حزب التجمع، فى مناظرة ضمن سلسلة من المناظرات على هامش المعرض، ما تسبب لاحقاً فى اغتيال «فودة» على يد متطرفين متشددين بعد تكفيره والتحريض عليه من قبَل تنظيم الإخوان والجماعات الإسلامية المتشددة. ونحن بصدد النسخة الجديدة من معرض القاهرة الدولى للكتاب الـ 55 يبقى السؤال الذى قد يراود كثيرين وهو: لماذا تم اختيار اسم عالم المصريات عميد الأثريين المصريين الدكتور سليم حسن شخصية المعرض، واختيار اسم الكاتب يعقوب الشارونى شخصية معرض كتاب الطفل. اختيار سليم حسن جاء لما له من دور كبير فى ترسيخ الهوية المصرية، من خلال تناوله تاريخ مصر وحضارتها من عصور ما قبل التاريخ، مرورًا بالدولة القديمة، وانتهاءً بأواخر العصر البطلمى. ولد سليم حسن بقرية ميت ناجى التابعة لمركز ميت غمر محافظة الدقهلية فى 15 إبريل لعام 1886، حصل على شهادة البكالوريا عام 1909م والتحق بمدرسة المدرسين العليا. وكان أحد تلامذة أحمد كمال باشا. ثم اختير لإكمال دراسته بقسم الآثار الملحق بهذه المدرسة لتفوقه فى علم التاريخ وتخرج فيها فى عام 1913، سافر حسن إلى فرنسا ليحصل على ثلاث دبلومات تخصصية فى التاريخ الفرعونى. ثم توجه إلى النمسا ليحصل على شهادة الدكتوراة، بهذا يكون أول مكتشف مصرى فى بعثة جامعية رسمية لدراسة مصر القديمة، حيث بدأ الحفر بمنطقة الأهرامات، واكتشف مقبرة لرجل من النبلاء من حاشية أحد ملوك الأسرة الخامسة، وفى باطنها استقرت عشرات التماثيل، بخلاف مصاطبها الكثيرة.

هيثم الحاج على

أعاد سليم حسن للمتحف المصرى مجموعة كبيرة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد، وكانت سببا فى إبعاده من منصبه، إذ حاول الملك فاروق استرجاع تلك القطع ولكن سليم رفض مما عرضه للمضايقات التى أدت إلى تركه منصبه. ومنذ عام 1940 حتى وفاته عام 1961، عكف على إخراج أعظم إنجازاته الفكرية، موسوعته الشهيرة «مصر القديمة» فى 16 جزءًا، فضلًا عن كتابه «الأدب فى مصر القديمة»، فى جزءين، ومن مؤلفاته أيضًا: كتابه بالإنجليزية «أبوالهول» ترجمة جمال الدين سالم، و«أقسام مصر الجغرافية فى العهد الفرعونى»، وترجمته لكتاب «فجر الضمير» لـ جيمس هنرى برستد… وغيرها من أعمال كتبها باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

يعقوب الشارونى

واختيار اسم الكاتب يعقوب الشارونى شخصية معرض كتاب الطفل جاء لتاريخه وإسهاماته فى عالم الطفل حيث أثرى الشارونى تاريخ أدب الطفل وقدم أكثر من 400 كتاب ورواية، إلى جانب ما قدمه فى جريدة الأهرام تحت عنوان «ألف حكاية وحكاية» منذ عام 1981. يعقوب إسحق قلينى الشارونى (1931- 2023 م) ولد بالقاهرة حيث درس القانون، وحصل على ليسانس الحقوق فى مايو سنة 1952، وحصل عام 1955 على دبلوم الدراسات العليا فى الاقتصاد السياسى من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمصر. وفى عام 1958 حصل على دبلوم الدراسات العليا فى الاقتصاد التطبيقى من كلية الحقوق جامعة القاهرة بمصر. وقد حصل الروائى الراحل على مجموعة من الجوائز المحلية والعالمية المختلفة، وقد أصدر الكاتب الراحل «الشارونى» مجموعة من الكتب والمؤلفات المختلفة ومنها «سر الاختفاء العجيب- أجمل حكاياتنا العربية- البخلاء- حكايات إيسوب- زهرة السعادة، ومسرحية أبطال بلدنا الكسلان وتاج السلطان». هذا فضلًا عن صالونه الثقافى الشهرى، الذى كان يعقده فى منزله لكتّاب الأطفال، لمناقشة أعمال أو أفكار أو قضايا أدب الطفل، اختارته اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب الدورة المقبلة، ليكون شخصية معرض الطفل، للدورة الـ55. من جانبه صرح مدير المكتب الفنى بهيئة الكتاب محمد عزت ومنسق النشاط الثقافى والمسؤول عن متابعة برنامج المعرض بأن من أوجه الإضافة مؤتمر اليوم الواحد وهناك خمسة مؤتمرات ومنها مؤتمر عن طه حسين ونازك الملائكة ومؤتمر عن الذكاء الاصطناعى وهناك العديد من المؤسسات الرسمية التى تتعاون مع المعرض، ومنها المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للطفولة والأمومة ووزارة الشباب ووزارة الدفاع من خلال أجنحة المعرض ونشاطاته، فضلا عن مشاركة عدد من المنظمات الدولية وهناك مؤتمر عن الترجمة وتحدياتها، خاصة نقص الترجمات من العربية إلى اللغات الأخرى. من جانبه قال جمال عاشور، المنسق الإعلامى، إن المعرض يحمل اسم سليم حسن أما طه حسين فلقد حملت اسمه إحدى الدورات السابقة، وذلك مع استمرار المبادرات السابقة، ومنها القراءة للجميع وجناح الكتب مخفضة السعر، وزيادة المشاركات الدولية لتصل إلى 70 دولة، فضلا عن البرنامج المهنى، ومنها صناعة النشر.



اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من شبكة الريان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading