«نار الحطب» تؤنس «حكايات السيناوية» فى الشتاء
رغم وجود وسائل التدفئة الحديثة التى تعمل بالكهرباء، لايزال أبناء محافظة شمال سيناء، خاصة أبناء القبائل البدوية، يلجأون لإشعال الأحطاب للتدفئة من البرد القارس فى الشتاء، والذى يسود مختلف مدن المحافظة فى هذا التوقيت من كل عام، حيث تعج المقاعد والدواوين والمنازل البدوية بالنيران التى يستخدم فيها الحطب.
ويعد إشعال النيران من مفردات الثقافة السيناوية، ومن العادات التى توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، فالفكر السائد لدى كثير منهم أن النار المشتعلة أفضل بكثير من مخترعات العصر الحديث، والتى من وجهة نظرهم لا ترقى إلى مستوى التدفئة عن طريق حطب النار، فسعادة السيناوى فى نار مشتعلة حولها بكارج الشاى والقهوة، يخرج منها الدخان الذى يشبّهه أبناء سيناء بالبخور ويطربون لرائحته، ليلقى كل منهم بخرافته «حكايته» على مسامع الآخرين لتشق سكون الليل البهيم.
يقول حسن سلامة، الباحث فى التراث السيناوى، إن عودة الحياة لطبيعتها ساهمت فى ازدهار تجارة الأحطاب مرة أخرى فى سيناء، حيث يتم الحصول على الأحطاب بطريقتين: الأولى من خلال الأشجار التى نبتت على مياه الأمطار فى الصحراء، حيث يقوم الشباب ومن يمتهنون مهنة الحطاب فى تقطيعها إلى قطع صغيرة وبيعها إلى التجار فى المدن، ليقوموا بدورهم بتجميعها وتكييسها وبيعها إلى المواطنين. والأخرى بعد انتهاء العمر الافتراضى للأشجار وهرمها أو لزراعة أنواع جديدة فى المزارع، سواء الكبيرة أو الصغيرة، فيقوم أصحاب المزارع بجلب الحطابين وتقطيعها وبيعها إلى التجار أو بيع أشجار المزرعة بالكامل، والذين يقومون بدورهم بتقطيعها ونقلها وبيعها.
ويضيف «سلامة»: «الأحطاب يتم جلبها من أشجار الزيتون والخوخ والعجرم والارطا والاثل والرتم.. وغيرها من الأشجار، حيث تعد أشجار الزيتون والعجرم والرتم من أجود أنواع الأحطاب، وهى المطلوبة فى الأسواق السيناوية، ويتراوح سعر سيارة الحطب ما بين 2000 و3 آلاف جنيه حسب نوعية وجودة الأحطاب المباعة».
ويشير ياسين إبراهيم، صاحب مزرعة زيتون، إلى أنه قام باقتلاع أشجار الزيتون من مزرعته لزراعة أنواع جديدة بعد قلة إنتاج الأشجار التى فى مزرعته، وتقطيعها وعرضها للبيع للتجار، حيث قام أحد التجار بشراء سيارة الحطب بـ 3 آلاف جنيه، وتم تقطيعها إلى قطع صغيرة ووضعها فى أجولة بحمولة 25 كيلو جرامًا للجوال الواحد وبيعها فى الأسواق للمواطنين وأصحاب مطاعم المندى بأسعار تتراوح ما بين 100 و120 جنيهًا للجوال الواحد، حيث تزدهر تلك التجارة فى أسواق شمال سيناء، خاصة سوق العريش القديمة، ويتحكم بها عدد من التجار الكبار فى العريش.
ويوضح محمد رشوان، تاجر أحطاب، أنه يقوم بشراء الأشجار، خاصة «الزيتون»، من المزارع بعد انتهاء عمرها واقتلاعها من جذورها وتنشيفها وقصّها إلى قطع صغيرة فى ورشة نجارة يمتلكها وبيعها للمواطنين، لافتا إلى ازدهار هذه التجارة فى فصل الشتاء لاستخدامها فى التدفئة.
ويتابع «رشوان»: «تجارة الأحطاب تنشط فى موسم الشتاء حيث البرد القارس، وفى المناسبات الدينية والبدوية كالأعراس وموسم رجوع الحجيج من الأراضى المقدسة والمناسبات الأخرى، حيث يتم ذبح الماشية وتسويتها على حطب النيران دون استخدام وسائل إنضاج الطعام الحديثة، لما لها من مذاق مختلف وطعم لذيذ».
ويقول سليمان سلام، مواطن، إنه يشترى فى كل شتاء سيارة محملة بالحطب ويضعها بالمقعد، ويستخدمها عدة أشهر، حيث تشهد تجارة الأحطاب فى الشتاء إقبالًا كبيرًا من المواطنين لإشعال النيران بصورة يومية فى المقاعد والدواوين.
ويؤكد أحمد البيك، صاحب أحد مطاعم المندى فى مدينة العريش، أنه يشترى الأحطاب لتسوية الدجاج عن طريق دخان الفحم داخل أحد البراميل، التى يتم دفنها فى الأرض، منوهًا بأن أسعار الأحطاب متفاوتة؛ فهناك أنواع تباع بـ 3 و4 جنيهات للكيلو، ومن الممكن أن تكون الأسعار أقل من ذلك بعد الاتفاق على شراء كميات كبيرة.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.