Dhak Dhak.. مغامرة إلى قمة «كاردونجلا» تبدأ بالتحدي وتنتهي بتقبل الذات
أعترف بأننى لم أكن شديدة التحمس لمشاهدة فيلم Dhak Dhak الهندى بعد رؤية ملصقه الدعائى، فمن الواضح أنه سيقدم قصة 4 سيدات في مغامرة بالدراجات النارية، لكن حماسى عاد سريعًا بعد أن تذكرت أنه على مدار تجربتى لسنة كاملة مع السينما الهندية، كان أغلب الأعمال التي شاهدتها مبهرة، سواء من ناحية الموضوعات المتنوعة وشديدة الجرأة في التعامل مع قضايا تهم الشعب الهندى، أو حتى في أداء الممثلين والحوارات بين الشخصيات، وما شجعنى أكثر أن فيلم Dhak Dhak، والذى صدر نهاية العام الماضى، حصل على ترشيحات لجوائز أفضل قصة وأفضل ممثلة، وممثلة مساعدة في Filmfare Award، وهو أهم حدث لتكريم العاملين في السينما الهندية ويماثل جوائز الأوسكار.
تنتج السينما الهندية من 1500 إلى 2000 فيلم بـ 20 لغة، تبع لموقعى Fortune وDeloitte، وبالطبع وسط هذا العدد الضخم، وهو الأكبر في العالم، لا يمكنك توقع الموضوعات والتفاصيل التي يتناولها كل فيلم، وقد يبدأ الفيلم وتتصور أنك أمسكت بفكرته وتستطيع تخيل ما سيحدث لاحقًا، لكن عادة ما تتفاجأ بأن الأحداث تأخذك في اتجاه آخر.
يبدأ فيلم Dhak Dhak، وهو مستوحى من قصة حقيقية، بسكاى- فاطمة سنا شيخ- اليوتيوبر المتخصصة في أخبار الدراجات النارية وتصوير السباقات، تتعرض سكاى لمشكلة شخصية، وتتضرر سمعتها بعد تسريب صور خاصة بها على الإنترنت، ويتسبب ذلك في قلة عدد متابعيها، وابتعاد الراعى الأساسى لعملها، ويصبح استمرارها في العمل وسفرها لتغطية سباق برشلونة مرهونًا بقدرتها على التقاط وصناعة قصة تجذب الناس وتعيد بها خلق هويتها كصانعة محتوى.
في الأعمال التي تتعدد فيها البطولة من الطبيعى أن يقدم المخرج شخصياته وخلفياتهم تباعًا، وهو ما فعله المخرج وكاتب السيناريو تارون دوديجا، فنجده يقدم لنا شخصية ماهى- راتنا باثاك شاه- الأرملة والجدة التي تعانى من الوحدة بعد أن كبر أبناؤها وتزوجوا، وبالصدفة تفوز السيدة التي تبلغ من العمر 60 عامًا بدراجة نارية، لتظهر في مشهد عبثى وهى تحاول إقناع الجهة التي منحتها الجائزة بأن تغيرها بميكروويف أو حتى بيعها لكنها تفشل، المصادفة العبثية التي جعلت «ماهى» تفوز بالدراجة النارية كانت سببًا في تعلمها قيادة الدراجات النارية، بل والشغف بها لدرجة أن يصبح طموحها بلوغ قمة فيجتياك في كاردونجلا، والتى تقع بالقرب من إقليم التبت، ويزيد ارتفاعها عن 5000 متر، وهى قبلة سائقى الدراجات النارية والتحدى الأكبر لهم في سباقاتهم.
في الأفلام، كما في الحياة، قد يكون الشخص أمامك ولا تراه حتى تأتى اللحظة التي يرتبط مصيرك به.
تجد «سكاى» في «ماهى» القصة التي تعيد بها تقديم نفسها للناس ووضع هويتها كصانعة محتوى في المسار الصحيح، وتجد «ماهى» في فكرة الوصول لقمة كاردونجلا طوق النجاة الذي يشعرها بأنها لا تزال على قيد الحياة ويمكن أن تحلم وتحقق إنجازًا، بل وقد يعيد هذا التحدى إليها اهتمام أولادها وأحفادها بها مرة أخرى. تتلاقى المصائر وتنضم للمجموعة أوزما (دياميرزا)، ومانجارى (سانجانا سانجى).
خلال الرحلة من دلهى إلى كاردونجلا، والمفترض أن تستغرق سبعة أيام، أدخلنا المخرج في عالم النساء الأربع، لم تكن أي منهن تشبه الأخرى، فسكاى المتحررة، على النقيض تمامًا من«أوزما» السيدة المسلمة المتحفظة والمتزوجة من رجل استولى على إرث والدها ويضغط عليها بالكثير من الطلبات، دون مراعاة لأى حقوق لها كسيدة أصبح طموحها الوحيد حصول ابنتها على تعليم جيد حتى لا تصبح مسلوبة الإرادة في يوم ما مثلها.
أما «مانجارى» فهى نموذج الفتاة التي لم تختبر شيئًا من تجارب الحياة، بسبب خوف أمها الشديد عليها والمبالغة في حمايتها.
حتى هذه اللحظة يبدو DHAK DHAK، كما لو كان سيركز على المرأة والقصص التي تسرد معاناتها، والحقيقة أنه مع بداية الرحلة، ومع الابتسامة العريضة التي ملأت وجه «ماهى»، ونظرتها المليئة بالحماس، ستجد أن الفيلم، الذي يعنى اسمه باللغة الهندية ارتفاع صوت دقات القلب من الخوف، أخذك في اتجاه آخر، وهو المطاردة، نعم مطاردة الشغف والأمل والرغبة في الإنجاز، وأن تثبت لنفسك أنك تستطيع أن تفعل ما تريده، نظرة «ماهى»، والتى أعتقد أننى لم أر وجهًا معبرًا عن الشغف بهذا الشكل من قبل، حرص المخرج على التقاطها عدة مرات خلال الفيلم، وكأنه يعيدنا بها كمشاهدين إلى نفس حالة الشغف بالفيلم، أو ربما بالحياة كلها.
اختلاف الأعمار وطبيعة الشخصيات بين السيدات الأربع كانا من الطبيعى أن يتسبب في الكثير من المفارقات، لكن في لحظة تذوب كل تلك الخلافات ويطرح الفيلم بشكل مباشر السؤال: أيهما أكثر أهمية الطريق نفسه أم الوصول إلى الوجهة التي حددتها لنفسك في البداية؟.
الإجابة التي قدمتها بطلات الفيلم أن أهمية الرحلة فيمن يكونون معنا، في الناس الذين لا يتركونك لحظة ضعفك، في هؤلاء الذين لم تكن تراهم، لكنهم ظهروا فجأة في اللحظة التي كنت تحتاجهم فيها، وبشكل قدرى ليساعدوك في خلق قصتك، لتعيد اكتشاف نفسك وشخصيتك الحقيقية، لتواجه نفسك أو الآخرين، وتحدد ما تريده بالضبط، وتتقبل أسوأ مخاوفك.
تجذب الصورة في الأفلام الهندية العين، الألوان المبهرة، الحركة السريعة، والرقصات المبهجة، والحقيقة أن فيلم «Dhak Dhak» ابتعد عن كل هذه العناصر وركز الإبهار على عناصر أخرى، أولها كان الحوار المكتوب على لسان الشخصيات، والذى كان، رغم الترجمة، بديعًا ويكمل بمفرداته رسم الشخصية، أيضًا الأداء المميز لفاطمة سنا شيخ، وهى النجمة الهندية التي لفتت الأنظار لها بعد مشاركتها مع النجم الهندى عامر خان في فيلم دانجال، وكذلك نجمة المسرح الهندى راتنا باثاك شاه، والتى استطاعت بابتسامتها خلق حالة الشغف طوال الفيلم.
لعبت المشاهد الطبيعية دورًا كبيرًا في الفيلم، فطوال الرحلة على الدراجة النارية تشاهد الطبيعة والحياة التي يراها راكب الدراجة، بداية من الخروج من المدينة وأطرافها المزدحمة والعشوائية وكيف تصفو الحياة تدريجيًا كلما اتجهت إلى الأعلى، وتحول الطبيعة من مساحات خضراء إلى صحارى، ثم إلى ثلوج وضباب، ثم نجد واحًاد من أجمل مشاهد الفيلم في الدير البوذى أثناء تدريب الراهبات، وهو المشهد الذي أجده تجسيدًا للحظة الكشف باستخدام عدسة الكاميرا والألوان الكاشفة التضاد.
فيلم Dhak Dhak مستوحى من قصة حقيقية، لكنه استطاع أن يتجاوز فكرة توثيق رحلة راكبة دراجة نارية للوصول إلى قمة كاردونجلا، إلى أن يصبح احتفاء بانتصار الشغف، واكتشاف نفسك والآخرين.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.