الغرفة «53».. قصة قصيرة لــ أشرف الجريبى
فى الدور الخامس غرفة 53
– can you help me
– ………………………
– Welcome
كانت الطرقة خالية ونظيفة، ابتسامة صغيرة بلا معنى، باردة كالثلج، كنت موزعا بين خرائط النعاس بالحلم فى بلادى وبين السنديان العتيق فى بلادهم بمستشفى صغير، صغير جدا ملقى هناك. تموج أرجوحة الغناء الشريد كلما هزها الوجد بالطفل داخلى، غير أنها تنسكب على ملاءة بيضاء، فوق سرير أبيض يتأرجح ويرتفع بياضا يفرش سقف الغرفة، تقف لجوارى ممرضة بيضاء، يعملون بصمت رتيب، بلا حروف تتحرك فوق الشفاه، بضغطة من يدك تأتى مسرعة، كنت أنزف حروفا تتساقط منى كالجرح، معدتى تؤلمنى بشدة، أضغط عليها.
وعدتنى بالبقاء، لكنها لم تجئ، أجلس منتظرا / وحيدا / صامتا/ تسقط المواعيد ثانية والحدائق، التهيؤ والوعى المتبقى لزمن يهذى بما يكفى. أهاجر الخريف إلى مدن تسبقنى، وأسبقنى مرتين إلى وقتٍ يعلمنى ولا أعلمه، أنظر للساعة، أشك فى عقاربها لأنها تؤخر الوقت أكثر مما ينبغى، علمتنى احتراف البكاء فى صمت بلا صوت، لكنى مزخرف كالكتابة فى زمن يطاوع الجنون ويسبق الأولين للركض، حاملا ناصية الفرح الطفولى بضحكة طفولية وفرحة طفولية، تدق أقدامها فوق البلاط، يهدأ اشتعالى.
كان الفرح الذى يعتلى قمة النضج والضجيج الذى يسبق الركض فى سعف النخيل فى بلادى وأشجار البوص والترعة الجانبية، حزن وفىّ، يسقط كالبكاء، فقط التفاتات وجهك الأزلى فى عمرى، أمارس الهداية، أحاول أن أسيطر على ذلك العمر الفريد، طقس جديد فى شتاء مرير يزدحم بالتفاصيل لأعبر النهاية وأبقى على الهاتف طويلا، أسمع صوت الوطن، الرقم غير متاح حاليا، هكذا معلقا بالبداية، وخزتنى الإبرة فى ضلوعى، كنت مستكينا ليدها الثمينة تحضن مؤخرتى، تفعص الجرح بيديها، يسقط القناع والنزيف، تواجهنى بوجه يشبه الابتسامة الحزينة.
I do not speak Arabic …
Thanks. Bye
الوجع الأخير مضى ثقيلا كالليل، بقيت فى السرير ممددا وحولى لا أحد، ولا أحد يجىء، صامتا وهزيلا أحاول فى الذاكرة، لأبقى هكذا فى الذبول وانتظار الأفول، فى احتساء الضجيج ومضغ الصمت فى الوجوه، همسك فوق بابى عالقا بالتهدج لم يزل، يعانق الفرح/ فرح طفولى، ينخر الذاكرة، ويأنس للوحشة ثانية. أنا فى انتظاركم والسلام. فى الطريق تركت البقايا معها، وذهبت وحيدا أبحث عن منطقة مختصرة للعالم تلخص الحكاية وتعرف التفاصيل واحدة/ واحدة، تعرف دارنا والمدن التى جئت منها.
قالت: إن الجذور التى تنتمى إليها حواسك تعلن الهزيمة، ووجهك الأزلى لم يزل يحمل الرسم نفسه، يسقط فى فخ الحوار ثانية.. كان المطر والسحابات تنزف منه، ينهمر نهما، حاملا أيقونات السماء بالرزق والمواويل القديمة عن الزرع والحصاد فى قرية بالية، كما قال جدى أمام عروش الممالك فى نيويورك..
كانت تقول: إن الهزائم المتكررة للراكضين فى الغيم شىء بديهى، الذين يحبون الأرض بحثا عن أى مستنقع كى يموتوا والسلام فى هدوء ورحمة، يموتوا ولا شك. السلام الذى أفادنا جميعا لأننا لا نصلح أن نكون سوى الأغبياء. الأغنياء حين تنعدم المشاهدة الأخيرة، أفرح كما يفرحون.
أعلن أن الصمت أول الكلام، لكنها كانت تمطر بشدة وتتحدانى، لم أكن أملك التحدى، كنت محاصرا بلا داع، فى الدور الخامس نسيت الرقم والكتابة.. بين خوفى والذاكرة البليدة، نسيت المشاهدة، رأيت قريتنا التى تقف أمام عروش الممالك فى نيويورك. قريتنا الهزيلة.. ألا تعرفها؟!. كانت لا تزال لها بريق يحتفى بى فى الغياب.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.