أتذكر الأوقات التي تجرأ فيها الفلسطينيون على الأمل في السلام. كيف وصل الأمر إلى هذا؟ | رجا شحادة
أنا يجلسون بلا حول ولا قوة في رام الله، يشاهدون مقاطع تلفزيونية لا نهاية لها للقصف المروع للبنية التحتية المدنية والمساكن في غزة، والمعاناة المفجعة للمدنيين هناك. ولقد سمعت وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت يقول إن بلاده تحارب “حيوانات بشرية”، وشهدت عواقب عمليات القتل العشوائي للمدنيين التي ارتكبها مقاتلو حماس في جنوب إسرائيل. كنت أنتظر «العمليات البرية الكبيرة» التي كانت تهدد بالقدوم في أي لحظة. وكان السؤال الملح الذي يدور في ذهني هو: “كيف وصلنا إلى هذا؟”
وتبادرت إلى ذهني فجأة الكلمات التي وجهها حيدر عبد الشافي، رئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني آنذاك، إلى الشعب الإسرائيلي قبل 32 عاماً في مؤتمر مدريد للسلام: “نحن، شعب فلسطين، نقف أمامكم بكل شجاعتنا”. الألم وفخرنا وانتظارنا، لأننا طالما كنا نتطلع إلى السلام وحلم العدالة والحرية.
لا أزال أتذكر فرحتي عندما استمعت إلى هذا الرجل البالغ من العمر 72 عامًا. لقد شعرت بالارتياح لأن العالم سوف يستمع الآن إلى جانبنا، وأنه لا يمكن أن يشككوا في صدق هذا المتحدث المبجل والمبجل. وأمام العالم أجمع، أعلن حيدر: “نحن شعب فلسطين نقف أمامكم في ملء آلامنا”، وقدم لخصمنا الأمل.
وبعد تعداد الأسباب التاريخية للمعاناة الفلسطينية، تابع حيدر: “نحن لا نسعى إلى الاعتراف بالذنب بعد وقوع الحدث، ولا نسعى إلى الانتقام من ظلم الماضي، بل نسعى إلى فعل إرادة من شأنه أن يجعل السلام العادل حقيقة واقعة.” وذكّر الشعب الإسرائيلي بأن أمنهم وأمننا يعتمدان على بعضهما البعض، كما هو الحال مع مخاوف وكوابيس أطفالنا.
اعتقدت أن المد يتغير. وعندما سمعته يتحدث عن الاعتراف المتبادل، لم أستطع إلا أن أفكر في والدي الراحل، الذي كان لسنوات عديدة يروج للسلام على أساس المساواة وحقوق اللاجئين. اعتقدت أن هذه هي الكلمات التي كان الإسرائيليون يأملون في سماعها. اعتقدت أنهم كانوا متأكدين من مشاركتهم ابتهاجي. لكن في كلمته الختامية في مؤتمر السلام، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، اسحق شامير، حيدر بـ”تحريف التاريخ وتحريف الحقائق”. ولم يكن من بين الوفد الإسرائيلي في مدريد سوى بنيامين نتنياهو.
نصت اتفاقيات أوسلو، الموقعة عام 1993، على أن يشكل قطاع غزة والضفة الغربية “وحدة إقليمية واحدة”. ومع ذلك، مباشرة بعد التوقيع على الاتفاق، اتبعت إسرائيل سياسة قطع العلاقات بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وكل منهما من إسرائيل، على سبيل المثال من خلال جعل السفر من وإلى قطاع غزة صعبا بشكل متزايد على الفلسطينيين والإسرائيليين. وبدا الأمر كما لو أن قطع العلاقات بين البلدين كان تمهيداً لما سيأتي – وهو حماية الإسرائيليين من رؤية الفلسطينيين كبشر، والفلسطينيين من أي لقاء طبيعي مع الإسرائيليين باستثناء جنود أو مستوطنين. زيارتي الأخيرة لغزة كانت في عام 1999 وكان ذلك فقط بسبب حصولي على تصريح من البنك الدولي، حيث كنت مستشارًا قانونيًا لأحد مشاريعهم.
إحدى نتائج سياسة الفصل هذه هي أنها مكنت المسؤولين الإسرائيليين من استخدام مصطلحات مثل “الحيوانات” دون أن يثير ذلك احتجاجاً على الاشمئزاز العالمي بين الإسرائيليين. وبالمثل، لم ترتفع أصوات قليلة بين الفلسطينيين المحتلين ضد عمليات القتل العشوائي للمدنيين في إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي، والتي تجاوزت الحق المشروع في مقاومة الاحتلال.
عدت هذا الأسبوع إلى كلام حيدر في مدريد. واعترافًا بتبادل الألم لفترة طويلة، دعا إلى فعل الإرادة من أجل السلام العادل. وقال: “دعونا نتشارك الأمل بدلاً من ذلك”.
وقارن كلام حيدر بما يحدث الآن: قتل المدنيين في جنوب إسرائيل؛ قطع الكهرباء والغذاء والمياه عن غزة؛ هجوم وشيك من “الجو والبحر والبر”. كيف أصبح الفلسطينيون؟ هومو ساسر في نظر الشعب الإسرائيلي – بشر يمكن فعل أي شيء لهم؟ وتقوم الحكومة الإسرائيلية بكل هذا باسم أمن الشعب الإسرائيلي. لكن ألا يعلمون أن الانتقام لا يمكن أن يحقق الأمن؟
بالنسبة لي وللآخرين في الضفة الغربية، يبدو الهجوم الحالي وكأنه عمل انتقامي. وأخشى أن يتحول الأمر إلى هجوم متواصل على الشعب الفلسطيني، وليس فقط لتدمير حماس، كما تدعي الحكومة الإسرائيلية. وعندما يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم “يقصفون الأهداف”، يتحدث الناس في غزة عن تدمير المستشفيات والمدارس والمباني السكنية. وفي يوم الجمعة، أصابت قنبلة قافلة كانت تسير على ما يسمى بالطريق الآمن، مما أسفر عن مقتل 70 شخصًا.
عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل، عارضت حماس واليمين الديني في إسرائيل الاتفاق. نتنياهو، كما هو الحال الآن، كان ينتمي إلى المعسكر الذي كان ضد التسوية التفاوضية.
ولا أعتقد أن إسرائيل تريد فقط تدمير حماس كما تدعي. لقد كانت حماس حجر الزاوية في السياسة الإسرائيلية لفترة طويلة. إن وصفها بأنها منظمة إرهابية والضغط على الولايات المتحدة لحملها على القيام بنفس الشيء يضمن عدم قدرتها على المشاركة بشكل هادف في السياسة العالمية. ومن ناحية أخرى فإن الصدع بين قطاع غزة الذي تحكمه حماس، والضفة الغربية الخاضعة للسلطة الفلسطينية، يبقي على حالة الشلل الدبلوماسي من خلال ضمان عدم وجود حكومة راسخة يمكن التفاوض معها. ويبدو أن هذا قد وفر لإسرائيل، لفترة طويلة، ذريعة مريحة لعدم التفاوض مع الفلسطينيين لإنهاء الصراع.
ونظراً لما يحدث في غزة، فهل هناك أمل في أن يتمكن الفلسطينيون، عندما يحين الوقت، من تجاوز آلامهم؟ هل سيكون من الممكن الخروج من هذه الدوامة التي لا نهاية لها من الانتقام والانتقام المضاد؟
أتذكر قصيدة “عيد الفصح” التي كتبها وييتس عام 1916، والتي كتب فيها:
تضحية طويلة جداً
يمكن أن تجعل حجر القلب.
أو متى قد يكون كافيا؟
هذا هو نصيب السماء، ونصيبنا
لتذمر اسمًا على اسم،
كما تسمي الأم طفلها
عندما يأتي النوم أخيرا
ربما يكون إدراك أن الانتقام لا يجلب الأمن هو إحدى الطرق للبدء. ومن المؤكد أن وقف هذه المذبحة يتطلب ضغوطاً دولية على إسرائيل، يعقبها الضغط على كافة الأطراف لبدء المفاوضات لإنهاء الصراع. وعندها فقط قد تكون هذه الحرب المدمرة نذيراً للتغيير من أجل مستقبل أفضل.
-
وصل كتاب رجا شحادة الأخير، “كان من الممكن أن نكون أصدقاء، أنا وأبي: مذكرات فلسطينية”، إلى نهائيات جائزة الكتاب الوطني.
هل لديك رأي في القضايا المطروحة في هذا المقال؟ إذا كنت ترغب في إرسال رد يصل إلى 300 كلمة عبر البريد الإلكتروني للنظر في نشره في قسم الرسائل لدينا، يرجى النقر هنا.