ذاكرة الكتب: كيف تسلل اليهود لأوروبا حتى حصلوا على وعد بلفور بإقامة إسرائيل؟
مازالت إسرائيل مستمرة فى حربها على قطاع غزة.. أكثر من ٢٨ ألف شهيد فلسطينى حتى الآن.. أربعة أشهر من القتل والتدمير والإبادة الجماعية تمارسها سلطات الاحتلال ولا رادع، وتستمر الكتب التى تتحدث عن هذه الحركة الصهيونية التى جاءت لتنشر فى الأرض الفساد.. منها كتاب «الصهيونية.. الغرب والمقدس والسياسة» للمؤلف عبدالكريم الحسنى، الذى يتحدث عن الصراع بين العرب واليهود، فيقول: لقد نشأ النزاع بين العرب واليهود بسبب الصدام التاريخى بين الحركتين القوميتين اللتين تأصلت جذور الكره بين أتباعهما، منذ أن ارتبط أغنياء يهود أوروبا بالمشاريع الإمبريالية الرأسمالية للحركة الصهيونية بما توفر لها من روافد الدعم من الحضارة الغربية، حيث الفكر العلمانى الذى أدى إلى إنشاء الدولة القومية فى أوروبا، والتفسير البروتستانتى الحرفى للعهد القديم، الذى وجدته الصهيونية كرافد آخر يضمن تحالف قطاع كبير من المسيحية مع فكرة الوطن القومى لليهود، حتى قبل وجود الحركة الصهيونية نفسها رسميًا على المسرح الأوروبى، فاتفق جميع هؤلاء على ترحيل اليهود إلى فلسطين، وصار الهدف إخراج اليهود المكروهين من أوروبا وجعل فلسطين وطنًا قوميًا لهم.
من ناحية أخرى، كانت هناك حركة القومية العربية التى تضرب فى عمق منطقة تلونت بالتراث العربى الإسلامى على مدى أكثر من ألف وخمسمائة عام، خضعت فيها فلسطين وغيرها للحكم الإسلامى، كما أن سكانها من العرب الكنعانيين وغيرهم كانوا دائما موجودين فيها قبل قدوم العبرانيين من بلاد الرافدين وقبل وصول قوم موسى من مصر.
الصهيونية من طرف كانت تسعى لإقامة دولة لليهود لكى يستطيعوا- لأول مرة- أن يقرروا مصيرهم منذ ما يزيد على ألفى عام، فاستغلت مصالح الغرب الاستعمارى الذى كان يسعى إلى زيادة نفوذه واندفعت غير عابئة بما قد يحدث لسكان فلسطين من العرب بعد أن انهارت دولتهم الإسلامية بانتهاء دولة بنى العباس على يد الأتراك العثمانيين، ثم ضعف الخلافة العثمانية، ثم زوالها على يد الغرب الاستعمارى الذى وجد من الصهيونية حقيقة طبيعية بسبب التقاء المصالح وضمان التبعية الصهيونية.
لهذا تشجع الصهاينة وكونوا دولتهم وفقا للنموذج الأوروبى، وبه ضمنوا المساندة الغربية الدائمة على حساب العرب.
لا شك أن إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين وطرد أهلها عام ١٩٤٨م يعتبر صدمة قوية زلزلت الوجود العربى، وأصابت الثقافة العربية القومية بصدمة عنيفة، لم تفق منها حتى الآن، وسيبقى بلا مبالغة زلزال إنشاء إسرائيل يهاتف كل الأجبال العربية والإسلامية مهما تباعدت مواقف الأنظمة والزعماء، ومهما دامت محاولة تجاهل ما حدث فى فلسطين من قبل البعض. سواء عن عمد أو بتفضيل المصالح الشخصية والإقليمية على المصالح القومية والدينية.
إن اغتصاب فلسطين صراع يكون العرب فيه أو لا يكونون، إنها قضية أمة مهما ساءت العلاقات بين الأنظمة العربية، وستظل فلسطين قضية العرب المركزية الأولى، بل وستبقى قضية المسلمين بطريقة أو بأخرى حتى قيام الساعة، فإن سقطت بعد الأمانى أو الأحلام فى زمن من الأزمان، ستظل القدس عاصمة فلسطين وعاصمة المسلمين، وعاصمة السماء.
إن الصراع العربى- الصهيونى سيظل وسيبقى صراعا حتى وإن قال عنه البعض إنه قد تراجع إلى أن أضحى صراعا فلسطينيا إسرائيليا أو راح يسقط إلى درك أسفل لكى يصبح صراعا فلسطينيا- فلسطينيا بسبب سوء إدارة الأنظمة العربية لهذا الصراع، هذا بسبب خلافات هذه الأنظمة، بالإضافة إلى تفضيلها الحصول على الأمان بالانصياع إلى سماع نصائح الدول الأجنبية، التى تعتمد عليها هذه الأنظمة لاستمرار وجودها، فمهما وصلت التسميات أو تسرب بعض اليأس لأسباب كثيرة لحظية أو لمدة طويلة، فإن الصراع العربى- الصهيونى باق جمرا متوهجا وإن غطته طبقة ناعمة من الرماد الخفيف، وسيظل بركانا غاضبا على استعداد أن يثور ويقذف الحمم فى أى زمن قادم، وقد رأينا أن النار لم تخمد منذ أن صار لليهود دولة فى فلسطين.
إنه مما لا شك فيه أن أساس قضية الصراع العربى- الإسرائيلى هو وجود المشكلة اليهودية التى فرضت نفسها فى أوروبا فى القرن السابع عشر والثامن عشر، وما حدث فى النصف الأول من القرن العشرين المشكلة اليهودية فى أوروبا كانت الأسباب دينية وعرقية وطائفية واقتصادية، وإن كان تدخل الاقتصاد والتطلع إلى النفوذ فيها بغرض الاستثمار هو ديدن الانتهازية الرأسمالية التى تبحث دائما عن الربح، والتى أجاد اقتصاديا فيها بكفاءة متميزة أغنياء يهود أوروبا، ولما تفاقمت المشكلة كما ستتضح أكثر فى أعماق الصفحات التالية بطرق مختلفة، فإنها أصبحت تقتضى حلا.
ويضيف الكاتب: المشكلة اليهودية فى أساسها نبعت بسبب الهجرة اليهودية من الشرق من روسيا وغيرها إلى أوروبا الغربية، وبسبب بروز التناقضات بين الجاليات اليهودية وبين الناس فى المجتمعات الأوروبية التى أصبح يعيش فيها المهاجرون اليهود، مما أدى إلى تعرض الجاليات اليهودية فى دول، مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وغيرها، إلى عملية اضطهاد منظم، وهكذا وقع اليهود فى الشرق وفى الغرب بين نارين نار المذابح التى كانت تتم لهم فى روسيا وفى بولندا وغيرهما، ونار الاضطهاد العنصرى فى دول أوروبا الغربية، من هنا نشأت المشكلة اليهودية، وارتبطت فى القرن التاسع عشر بمشكلة أخرى اسمها المسألة الشرقية، حيث إن المسألة الشرقية كانت تطلق على دولة الخلافة العثمانية التى كانت فى ذلك الحين تسمى رجل أوروبا المريض، المسألة الشرقية بالنسبة للغرب الاستعمارى كان المقصود منها كيف يمكن تقسيم تركة دولة الخلافة العثمانية، لأن رجل أوروبا المريض (تركيا) حتما سيموت لهذا تصدرت المشكلة اليهودية مع المسألة الشرقية اهتمام الدول العظمى فى ذلك الزمان.
وأما المشكلة اليهودية بالتحديد، فقد كانت بسبب نفوذ دهاقنة الصهاينة، وأغنياء اليهود الأوروبيين وأحبارهم وحاخاماتهم وما روج لها، فقد راحت تدغدغ أذهان هؤلاء اليهود الأساطير القديمة والروايات الدينية وعبارات وردت فى بعض الكتب المقدسة، تلك التى راحت تطرح تساؤلات وأفكارًا بأن هؤلاء اليهود التعساء لهم مكان، ولابد أن يحصلوا على الأمان فيه، فى البداية لم يهتم أحد لمثل هذه الأحلام والتمنيات من زعماء الحكومات الأوروبية إلى أن جاءت الثورة الفرنسية بشعاراتها الإنسانية وبما قالت عن حقوق الإنسان، وحين ذلك تنفس يهود أوروبا الصعداء.
استغل زعماء اليهود الوضع الجديد فى أوروبا، وتوجهوا إلى بريطانيا، يعرضون المشكلة اليهودية من وجهة نظر المصالح البريطانية حتى تم لهم ما أرادوا وحصلوا على وعد بلفور بإقامة وطن قومى لهم فى فلسطين.
اكتشاف المزيد من شبكة الريان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.